دخلت الحرب العدوانية الهمجية والوحشية الاحتلالية المستمرة على قطاع غزة أسبوعها الرابع ، وهي تزداد حدة وشراسة وتدميراً وخراباً وانتهاكاً لكل القوانين الدولية وحصداً للأرواح وارتكاباً للمجازر الدموية المروعة التي تدمي العيون ، وتثبت أن الحية الرقطاء لا تزال عطشى للدماء ، وتجعل الإنسان وكل ضمير حي يجهش بالبكاء لما تراه عيناه من مشاهد ومناظر بشعة – كما حدث مع مندوب الانروا ، الذي بكى طويلاً بعد مشاهدته آثار المذبحة الفظيعة في مدرسة وكالة الغوث ببيت حانون .
وهذه الحرب تتواصل في ظل التواطؤ والتخاذل والصمت الغربي والعهر العربي ، ووسط المواقف المصرية والعربية الداعمة والمتواطئة معها ، دون أي اعتبار أو إحساس إنساني أو شعور قومي ، وبأنها حرباً ليست ضد حماس ، كما يروج الإعلام المصري والسعودي والصهيوني ، متناسين أن الدم الذي ينزف ويراق في غزة وخان يونس والشجاعية والننصيرات وجباليا وبيت حانون وعبسان وجباليا والمغازي وخزاعة ودير البلح وبيت حانون هو دم عربي فلسطيني ، والبيوت التي تقصف وتدمر هي بيوت عربية فلسطينية ، والشهداء الذين يتساقطون ويموتون يومياً بالعشرات بل بالمئات هم عرب فلسطينيون اقحاح ، فأين النخوة والكرامة يا عرب ..!
لقد كشفت هذه الحرب استمرار سياسة أمريكا والإتحاد الأوروبي الداعمة والمتحيزة لإسرائيل ولنهجها العسكري العدواني الاحتلالي ، وأظهرت حقيقة النظام المصري الجديد بزعامة السيسي ، الذي كنت من أكثر المتحمسين له فخيب أملي وظني فيه ، ولم أكن أتوقع منه هذا الموقف المعيب والمخزي والمشين كحارس لإسرائيل على المعابر والأنفاق ..!
كما وأظهرت حقيقة أنظمة الفساد العربية التي تنهب خيرات شعوبها وتسرق حاضرها ومستقبلها ، بأنها لن تقدم لفلسطين شيئاً سوى بيانات الاستنكار الخجولة المهادنة .
إن شعب غزة الحي والصابر والصامد والمقاوم لن ينسى ، ولن يصفح لكل المتآمرين والمتعاونين والمتخاذلين والساقطين والمهزومين والمتواطئين مع العدوان الصهيوني الشرس ، الذي سرق الفرح من عيون الأطفال ، وأجج الغضب الساطع في النفس الفلسطينية الحزينة الباكية الثاكلة المثخنة بالجراح .
ما من شك أن الحرب على غزة واضحة المعالم ، وهي حرب إجرامية مدمرة تستهدف ضرب المقاومة وثقافة المقاومة وتقويض أركان المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية وإفشال حكومة التوافق الوطني وفرض شروط الاستسلام التفاوضي . ولكن في حقيقة الأمر أن حكومة اليمين المتطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو فشلت في حسم المعركة عسكرياً ، فلم تنل من رجالات المقاومة ، بل أمعنت في قصف وإبادة المدنيين واقتراف مجازر ومذابح بشعة بحقهم واستهدفت الأماكن المأهولة بالسكان والأسواق العامة والمستشفيات .
لقد تورط حكام إسرائيل في حربهم العدوانية وأغرقوا أنفسهم في وحل عزة ، وباتوا يبحثون عن حبل للنجاة واستثمار نتائجها سياسياً لصالحهم ، بعد أن كانوا يعتقدون ويظنون أن غزة لقمة سائغة ، ويمكن القضاء على المقاومة وتصفيتها بسهولة وخلال ساعات معدودة ، ولكن سرعان ما خان ظنهم وبانت لهم الحقيقة أن غزة عصية على الكسر والاستسلام ورفع الرايات البيضاء ، وأنها صامدة تصنع المعجزات ، وتقاوم ببسالة بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة لا تلين وإرادة فولاذية لا تقهر .
لقد أضحت غزة رمزاً للصمود والتحدي والمقاومة والبطولة كبيروت ، وأختاً شرعية لستالينغراد البطلة ، وعنواناً للعزة والكرامة والشموخ والعنفوان والإباء ، وأبدى شعبها صموداً منقطع النظير والتفافاً حول المقاومة ، التي هزت عرش الكيان الإسرائيلي والداعمين له ، واستعداده للتضحيات والشهادة والموت في سبيل الوطن والحرية والانعتاق والاستقلال ولأجل الانتصار لفرض شروط المقاومة برفع الحصار وفتح المعابر . وأثبت للقاصي والداني أنه بالإمكان قبر كل معتدٍ وتحطيم أنيابه وتكبيل حركته وتمريغ أنفه في الرمال مهما بلغ من جبروت وغطرسة وقوة عسكرية ، إذا تم تجنيد الطاقات الشعبية وتعبئتها .
كفى للحرب والمجازر ، وليتوقف العدوان الاحتلالي الصهيوني على غزة ، ولتتوقف السياسة العدوانية التي تخلف الثكل واليتم والدمار والخراب ، والتي تعزل إسرائيل أكثر ، وتجلب الكارثة للشعبين . وليعلو الصوت العقلاني المنادي بالكفاح لأجل السلام الفلسطيني – الإسرائيلي ، على أساس دولتين للشعبين .