قد تبدو بعض الملاحظات في هذا المقال وكأنها متأخرة بعض الشيء , لاسيما واننا نتحدث فيها عن موضوعة التحالفات الانتخابية والخيارات السيئة التي تطيح بسمعة اصحابها , ولكن الامر كان تأجيلاً اكثر منه تأخيراً , فإبّان الحملات الانتخابية , كان الوضع محرجاً في الطرح كي لايعد الامر استهدافا انتخابيا , ثم تبعت ذلك احداث دراماتيكية , وضعت العراق على كف عفريت عسكريا وسياسيا.
ولكن الان اوان مناسب لتحليل بعض المواقف التي اوصلتنا الى مانحن فيه من احباط , لاسيما وان اصحابها ان يستثيروا الكتابة حول مواقفهم , باصرارهم على البروز في الاضواء , للقيام بدور غير منطقي ويثير علامات استفهام كثيرة !!!! , من خلال محاولة التاثير بالجماهير الغاضبة المطالبة بالاصلاح , لحرفها عن مسارها وادخالها في انفاق مظلمة , تنسف الحياة السياسية وتحيلها الى فوضى يصعب السيطرة عليها , في ظل وجود جماعات راديكالية متشددة منظمة تتلقف فرص الفوضى لتبسط نفوذها كبديل عن الدولة والحكومة .
ومن ابرز نماذج تلك الطروحات , بيان السيد مهدي الحافظ الذي طالب فيه بحل البرلمان وتجميد الدستور , بما يشبه الانقلاب العسكري , فعلى قلة الفرص التي سنحت للتكنوقراط وللقوى المدنية العراقية بان يكون لها تمثيل مبكر ومستمر بالحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام صدام الطاغية ,كأمثال النزيهَين مفيد الجزائري ورائد فهمي وسواهما, فان الفرصة التي اتيحت للسيد مهدي الحافظ تعد ذهبية ,فقد توالت عليه مناصب وزارية وبرلمانية , وكانت تلك حالة تعد بمثابة بارقة امل لما يمكن ان يكون عليه شكل العراق الجديد .
الا ان المؤسف في الامر , ان الرجل قد خيّب سريعا آمال الشارع العراقي , حين بدأت خياراته بالانحدار حتى وصلت الى حضيض القوائم الانتخابية , تحت مظلة سارق أفّاق كفاضل الدباس صاحب المصرف المتحد , واحد ابرز رموز الفساد وتهريب الاموال والصفقات المشبوهة , واخطرها فضيحة اجهزة كشف المتفجرات , وبالطبع , فان الدباس كان سعيداً للغاية بجرجرة اقتصادي عراقي لامع الى مستنقعه , ليصبح احد ثقاته وابرز مرشحيه والرقم واحد على العاصمة بغداد ,ويبدو ان الدباس لم يتعب كثيراً في استقطاب السيد الحافظ(كما توقع) , فميزانيته الانتخابية كانت مغرية , ولم يكن مهماً للسيد الحافظ (كما يبدو)ان يدقق في مصدرها واثار الدماء على رزم الدولارات فيها .
بل ان المثير للسخرية ان السيد الحافظ بخبرته الاقتصادية كان يفترض ان يكون الاعلم بالدور المشبوه للمصرف المتحد ومالكه على الاقتصاد العراقي , الا اذا كانت الغشاوة على عينيه قد حجبت عنه الشمس في رابعة النهار .
(في محاكمة الرايخ الثالث للنازيين سأل القاضي رئيس جامعة برلين عن تفسيره لانتماءه لحزب هتلر النازي لاسيما وانه عالم جليل وفيلسوف , فاجاب مرتبكاً: لقد كانت هنالك غشاوة على عيني!!!!!!!!!!!!.)
ان التحالف الانتخابي للدباس والحافظ, نموذج فاحش لما يمكن للسراق ان يفعلوه بالنخب الوطنية , حين يتلقفوا نقاط ضعفها , وهو بذات الوقت , مثال صارخ لسوء العاقبة التي تهوي بشخصية علمية , حين تبحث في خواتيم عمرها عن ملاذات وكبائن سيئة السمعة,ويحق لنا هنا ان نتوقع , ان الدباس لم يفوت فرصة الافادة من نصائح السيد الحافظ (كاقتصادي لامع) في ادارته المالية المصرفية المشبوهة .
المفارقة الاخرى التي ابرزتها مقترحات السيد الحافظ , انه يطبق نهجين متناقضين في آن واحد ,ويسير في طريقين في وقت واحد , فهو براغماتي في تحالفه مع الدباس , وهو متشدد في ورقته السياسية التي طرحها , ففي تحالفه مع الدباس عمل بطريقة (نعمل بالممكن ولاننسى الطموح !!!) , ولكنه في طروحاته الفنطازية ببيانه الاخير كان في منتهى التشدد والفوضوية .
ولاداعي لان نقول انه قد فشل في الاثنتين فشلا ذريعا , فاذا كانت براغماتيته قد اضرت بسمعته السياسية لوحده (وان كنا نرى انها ساهمت في تلميع صورة سراق وقتلة دوليين ) , فان مقترحاته بتعطيل الدستور والبرلمان , تعد خطيرة وتدفع العراق الى دهاليز مظلمة لاقبل للعراقيين بها , بل قد تؤدي (فيما تؤدي) الى تسلط القوى المسلحة وتسيدها في الشارع العراقي , وهو امر لايمكن تفسيره الا بأحد امرين , اما ان يكون السيد الحافظ يبحث عن اي دور لركوب الموجة , او ان تكون تلك المقترحات , هي نتاج دفعة مالية متأخرة من الدباس ومن يقفون خلف الدباس.
لقد كان شعار (باسم الدين باكونه الحرامية ) شعاراً رائعاً بمدلولاته , وقد ارعب الكثير من الاوساط التي يهمها استمرار استغفال المواطنين بشتى الاساليب , ولكن علينا التنبه الى ان البعض يسعون (بإسم التكنوقراط ان يضيعوننا ).
ان مراهناتنا دوماً تبقى على وعي العراقيين من اية بوصلة مشبوهة .
مقالات اخرى للكاتب