الفساد في منظور الدول المتقدمة لا يقتصر على انعدام الذمة ، وفقدان النزاهة ، وموت الضمير ، ومد اليد الى المال العام فقط ، وانما لهذه الأفة الخطيرة وجه أخر هو الفشل في الاداء أيضا ، ولذلك كان المعيار الاساس في الوظيفة والخدمة العامة فيها هو ( وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ) دون اي اعتبار أخر ... والاثنان ( قذارة اليد ) و( الفشل ) يؤديان الى الاصابة بمرض خطير واحد ، وإن استخدما طريقين في الوصول الى النتيجة ، وهو دمار البلد وفقر ابنائه ، ، وتخلف الانتاج ، او انعدامه بمختلف مرافقه ، بما فيه الخدمية والفوضى والتجاوز على النظام وضعف هيبة الدولة وعدم احترام القانون ... ولذلك .. ليس هناك غرابة في ان يكون البلد مستوردا لكل شيء يستهلكه بما في ذلك ابسط الحاجات الاساسية أوالكمالية ، عندما ينتشر الفساد المالي ، وتنعدم الكفاءة القيادية في الادارة ... فأين دور الوزير وتأثيره على حلقات وزارته المختلفة في الانتاج وفي قطاعه ..؟... وما هو المعيار في تعيينه ، والقياس في معرفة كفاءته ودور قيادته في تحقيق أهداف الوزارة ، ومبرر وجودها ، وهو مسؤوليتها في سد حاجة الشعب في مجال إختصاصها ...؟.. فاين المساءلة والحساب في هذا الموضوع ..؟ واين الرقابة الحقيقية على الوزراء وتقويم انتاجهم و كفاءتهم في توفير حاجة الشعب ، وكم تمكن الوزير خلال ولايته على الوزارة من توفير حاجات من اختصاص وزارته للبلاد والعباد ، دون
الاعتماد على الاستيراد ، وهكذا بالنسبة للتعليم مثلا ودرجة تقدمه ومواكبته للعصر والمرحلة ، والصحة ، والبلدية والنقل والكهرباء وكل القطاعات .. ومما يدعو الى العجب أن انخفاض سعر النفط اصبح شماعة الفشل ، فبدلا من ان يكون فرصة للبناء ، وحافزا للتعويض من خلال زيادة الهمة والانتاج وسد حاجة البلاد من داخلها ، تحول الى عذر للفاشل وذريعة في تلكؤء المؤسسة ، وثقلا على الشعب وزيادة في معاناته ، ، وتحميله تبعات ذلك الفشل في تراجع مورده المالي أكثر وتخلف الخدمات المقدمة اليه من الوزارات تحت هذه الحجة .. فهل حققت الاستجوابات هدفها الحقيقي في هذا المجال ، أم تحولت الى ساحة للتناحر و( العراك ) والصراع السياسي ، والشخصي على حد من ذهبوا الى هذا الرأي ، بمن فيهم اعضاء في البرلمان نفسه ... وأين دور مجلس النواب في الرقابة على الفشل والتقصير في تحقيق الوزارات لأهدافها المقررة ، ومبرر وجودها في سد حاجة الوطن والمواطن في مجال اختصاصاتها .. اليس ذلك من صميم واجباته ..؟..
إن التقصير والفشل فساد ، كما هو مد اليد الى مال الشعب فساد ... والكفاءة المهنية ، وكفاءة الضمير ... عنصران مهمان في المسؤول وغياب أحدهما يؤدي الى الفشل ... والطامة الكبرى إذا غابا معا .. والامور واضحة للعيان ولا تحتاج الى برهان ... والدول التي تريد أن تنهض تحتاج الى مسؤول بدرجة ( قدوة ) في الضمير والنزاهة والامانة والكفاءة والاخلاص والتضحية ونكران
الذات ، وليس في الامتيازات ...
مقالات اخرى للكاتب