هنا في طنجة ليل طويل، قادتني عربة الخيال المجرورة نحو الجنون، بطقوسه الخاصة دون أن أدوس على فرامل الرياح الشرقية التي على حين غرة تفسد المزاج. وقد شاكستها مشاكسة القراصنة الذين كانوا ينوون قطع البحر عبورا في لحظة مزاج جديدة.
وهنا في طنجة بمقبرة المارشان يرقد محمد شكري الأسطورة على مرمى حجر لا ينام، هذا القبر الذي يزوره في كل مناسبة كبار الأدباء والمثقفين من مختلف أنحاء العالم.
وهنا في فندق ريتز(RITZ) الذي كنت أقيم فيه، خلَّف شكري أسطورته ومشاهداته في صورة علقت في بهو الاستقبال، كدليل على آثاره الباقية. وهنا في هذا الفندق والحان التابع له، كل العاملين مازالوا يذكرون السيرة الكاملة لشكري خلال تردده عليهم والإقامة في إحدى غرف الفندق، حينما كان يتعذر عليه الرجوع إلى شقته القريبة من ذات الفندق بسبب تعب طارئ يلم به. وبهذا الفندق سأتعرف على مصطفى الشاب البشوش العامل بالاستقبال، وهو شخص خدوم، منحني أحسن غرفة بالفندق. ومصطفى هذا إنسان مثقف وصديق لجميع الأدباء والمثقفين الذين سبق لهم أن اختاروا الإقامة بهذا الفندق – الأيقونة- الذي اكتسب شهرة في الأوساط الأدبية والعربية.
وهذا الفندق بشكله الحالي صالح ليكون فضاء لفيلم سينمائي لمغرب سبعينيات القرن الماضي، لأنه مازال محافظا على شكله وبساطته، فضلا عن جاذبية موقعه الاستراتيجي المتواجد بوسط مدينة طنجة.
وهنا في طنجة تظل أسطورة شكري تتحدى بعض الناقمين على الأدب المغربي لأن شكري تجاوز المحلية ليصنف في قائمة الأدباء العالميين، رغم كيد الكائدين، والحساد الذين كانوا يتمنون الموت لشكري وهو قيد حياته، وهكذا ظل محمد شكري في واجهة الأدب الإنساني فردا بصيغة الجمع، وكتاباته هي السهل الممتنع، وقبل أن يكون كاتبا كان يعرف كيف يتحدث. ولغة الحديث هي السر في شخصيته التي تحدث عنها وعاش بسببها الحياة بالطول والعرض، ومثل كل الأدباء الذين بصموا بقلمهم التاريخ قال محمد شكري كلمته ورحل.
وإذا تكلم اليوم أي شخص عن حياته وعربداته بعد وفاته فلا تصدقوه، واعلموا أنه كذاب، ولم يكن يعرف شكري لا من قريب أو من بعيد.
وهنا بطنجة بفندق ريتز(RITZ) عثرت على بعض من آثار سعدي يوسف الذي قال الحقيقة في الشعر المغربي، لكننا للأسف لم نتريث لقراءة ما بداخل السطور، فغضبنا منه،وشتمناه، يا للأسف، كنا أنذالا ولن نسامح أنفسنا…فقد كانت لـ سعدي يوسف تخريجة نقدية يعرف من خلال سطورها من المقصود، وجميع المثقفين اعتبروا أنها أساءت للشعر المغربي. وقد كانت صرخة سعدي المدوية، فيها ما فيها من الصواب، وفيها بعض الاندفاع. وعموما اعتبرت أنها صرخة جاءت من تأثير غضب عابر، سرعان ما تداركه سعدي يوسف ليصلح ذلك ببيان توضيحي داعيًا إلى إيقاف النقاش حول هذا الموضوع.
ورغم كل ما وقع من خصام ثقافي بين سعدي يوسف والمثقفين المغاربة يبقى سعدي يوسف شاعرا كبيرا. لأن تقدير الشعر وإعطاء تصور عام عنه يبقى تقييما نسبيا، فيه مد وجزر. والشعر في نهاية المطاف قدرة جنونية مذهلة منبعها الحدس. وأجمل ما أهدى سعدي يوسف للمغرب خلال شهور إقامته بفندق ريتز(RITZ) ديوانا شعريا موسوما بديوان طنجة.
مقالات اخرى للكاتب