جُبل الإنسان على حب التغيير وهذا سبب التضارب بين القديم والجديد من الافكار وإذا ما حالف الحظ شعبا من الشعوب وتسنم القيادة فيه شخصاً مستنيراً مدركاً مثقفاً فأنه حتماً سيأخذ بنظر الاعتبار هذه الغريزة الإنسانية التي إذا ما أجتمع الأفراد عليها خلقت رأي عام معين في جانب معين من جوانب الحياة ولكنه في كل الأحوال ينشد الأفضل .
لذا عندما أعلن النبي الكريم محمد عن رسالته أصطدم بتلك العقليات التي عشعش فيها حب السيطرة والاستحواذ على المجتمع العربي وتمحور تفكيرها عند نقطة واحدة هي التفنن في ضمان بقائها واستمرارها في فرض تلك السيطرة على هذا المجتمع وهذا هو السبب المباشر الذي جعل هؤلاء المتسلطين يجهرون ويراوغون من أجل البقاء في موقع الآمر الناهي .
لقد أدرك النظام الغربي الحديث هذه الرغبة ( التغيير ) لدى أبناء المجتمعات لذلك كان من أسس هذا النظام المهمة هي تحديد فترة بقاء الحاكم في السلطة لمدة أربعة سنوات مع فرصة أخرى لولاية ثانية إذا ما اراد الشعب ذلك لأن ما هو أكثر من ذلك يؤدي إلى تململ المجتمع من ذلك الرئيس أولاً ولكي لا يتصور الأخير أنه الأفضل من غيره ثانياً .
وتماشياً مع التغيير أندفع المدرك وغير المدرك من العرب بالهرولة مرحباً خلف الطائرات الأجنبية وهي تدك أوكار الزعماء العرب الذين تشبثوا بالكراسي تشبث مشايخ الجاهلية بحكم الجزيرة العربية حيث أخذت هذه الطائرات تحت ذريعة مساندة الشعوب ضد الاستبداد تدمر البنى التحتية للبلدان الثائر أبنائها ومع تأييد كامل من الهمج الجهلة من شرائح مختلفة فيها وهو ما شكل بداية الفوضى في هذه البلدان .
إنها في الحقيقة معادلة غير متوازنة أشترك في تسلسل عمليتها القائد المستبد المتمسك بالإمارة حتى ولو الحجارة والمهاجم المغرض الطامع في اقتطاف الثمرة والمستفيد مما سيحصل لاحقا .
الحقيقة أن سبب هذه المقدمة الطويلة هو التصريحات الأخيرة التي أخذنا نسمعها من الدول التي قصفت الدولة الليبية بضراوة لتؤسس للفوضى أللاخلاقة وتمزق ليبيا وتجعلها ألعوبة بأيدي عصابات الجريمة ورموز الإرهاب اللعين . ولذر الرماد في العيون أخذنا نسمع من يتباكى على استقرار ليبيا من ساسة في الدول الغربية لتلحق بها الامم المتحدة حيث صرح بالأمس مبعوثها إلى ليبيا قائلاً ( أن ليبيا قريبة جداً من نقطة اللاعودة ) فمن الذي أوصل ليبيا والدول العربية الأخرى التي يستعر فيها القتال إلى ما هي فيه من احتراب وتمزق واقتراب من نقطة اللاعودة بعد أن تحولت إلى حلبات قتال وتكتلات متناحرة تجري من تحتها دماء كالسيل العرم .
إن خلق قضايا ثانوية وتسليط الضوء عليها بكثافة يهدف إلى خداع الناس وإخضاعهم نفسيا في ظل ظروف قاهرة تجبرهم على نسيان جوهر الحدث الصاخب الذي هو من صميم الخطة التي يتحمل تبعتها الرؤساء العرب البعيدين تماما عن الشعور بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية اتجاه اوطانهم ويظلون متعلقين بالسلطة حتى تركلهم جزم الاجنبي غير مأسوفا عليهم .
مقالات اخرى للكاتب