يتميز العراق بتنوعه الديني والاجتماعي والقومي، هذا التنوع أضاف له نكهة عراقية جميلة، والمسيحيون في العراق تمتد جذورهم في أعماق هذه ارض، فهم أخوة لنا تجمعنا معهم روابط عديدة ومنها رابطة الإنسانية، وهم شركاء أساسيين في هذا الوطن، وقد عاشوا كل محن العراق وشاركوا في الدفاع عنه، وبذلك لا يحق لأي شخص أن يشكك بوطنية هذا المكون أو النيل من ولائه للعراق، شاركوا في كل الحروب العبثية التي قادها النظام البعثي الذي كان يعتاش على الحروب والقتل، وقدموا العديد من أبنائهم دفاعاً عن العراق، وكم كانت لنا ذكريات جميلة مع أخوتنا المسيح في ساحات التدريب والواجبات الليلية وساحات العرضات والأرزاق والعقوبات والإجازات الدورية ولحظات التسريح عندما كنا نذرف الدموع وراء من يستلم كتاب تسريحه من الجيش، ومع عناق طويل وبكاء ونحيب كانت ذكرياتهم تملأ الروح والقلب، وبعد سقوط الصنم تعرضت هذه الطائفة المسالمة لهجمات إرهابية من أصحاب الفكر الأعمى والتعصب والتشدد الديني الذين أباحوا لأنفسهم تكفير الآخرين، ولهذا عانى الأخوة المسيح من الإرهاب مما جعل الكثيرين منهم أن يغادروا عن ارض الوطن مرغمين مجبرين وما أصعب الرحيل من ديار الطفولة والذكريات، ولكن النجاة من الموت كان أهم بكثير من وطن لا يستطيع أن يحافظ على أرواح أبنائه وهم بذلك معذورين في المغادرة وحزم الحقائب، واختيار المدن البعيدة في أصقاع الأرض بديلاً لوطنهم، المسيحيون كانت لهم مواقف غاية في الروعة ومن ضمن المواقف التي تستحق التوقف عندها وتسليط الضوء عليها، موقفهم تجاه عاشوراء الحسين، فقد أثبت هذا المكون إنه يملك من الروح والالتزام المجتمعي ما يجعله جدير بالاحترام، فكلما تتزامن أيام الحزن والحداد الكربلائي مع أعيادهم وأفراحهم سارعوا إلى إلغاء كل مظاهر الفرح، ومشاطرة أخوانهم المسلمين الشيعة الحزن على سيد الشهداء، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل زادوا عليه الكثير من خلال إقامة المواكب والمهرجانات الحسينية لأنهم ينظرون للحسين عليه السلام رمزاً للحرية والمحبة والسلام، ويتفاخرون إن احد أجدادهم استشهد مع الحسين في واقعة كربلاء، وفي هذه الأيام يحتفل العالم بأعياد رأس السنة الميلادية، ونحن هنا وبرغم حزننا بذكرى أربعين الحسين عليه السلام فإننا نقدم تهانينا لهم مع باقات ورود جميلة معطرة بشذى حدائق الوطن، ونطبع قبلة على خد الكنائس التي أعلنت الحداد بذكرى عاشوراء، ونبعث رسائل شوق ومحبة إلى من غادر عن الوطن ونقول لهم العراق حزيناً لفراقكم، بغداد تنتظركم وهي تذرف الدموع شوقاً لكم، أنتم أبناء الوطن ومن شرب من مياه دجلة والفرات لن يرتوي من أي نهر آخر، كل عام وأنتم عراقيون في الهوية والانتماء والمواقف، كل عام وأنتم بخير وأمن وأمان، كل عام وأنتم حمامة سلام ترفرف فوق سماء الوطن تردد نشيد الحب والدعاء والآمل، كل عام وكنائسكم عامرة بطقوس التقرب إلى الله ومتشحة بالدعاء أن تمطر السماء بالخير والاستقرار على هذه الأرض، ولكم باقات ورود جميلة بذكرى رأس السنة الميلادية، وسلامٌ على نبي الله عيسى وسلام على أمه العذراء مريم، وسلامٌ على العراق وأهله، والسلام على المسيحيين أبناء الوطن وشركاء الوجع والفرح والأحلام والأمنيات.
مقالات اخرى للكاتب