على طاولةٍ ما في مقهىً ما جلستْ قبالتي سيّدة وحيدة. لا حاجة للقول بأنها شقراء فالمدينة كلها تقرأ أشقر أشقر. غير أن قطرات من الشهد ديثت بها طينة هذه السيّدة الجميلة. اذاً ماذا فعلتُ وكيف أغريتها بالأنضمام الى طاولتي وانا الوحيد ايضاً؟! لا شيء. صدقوني لا شيء، فقط أمسكت برأسي ومثّلت الشعور بالألم، فمثلي يجيد هذا الدور لكثرة نوبات الوجع التي تنهش عظام رأسي كل صباح. التفتتْ. وقفتْ. دنتْ، ثم دنتْ و دنتْ حتى انسدل شعرها الحرير على خدي. انتبهتُ أو اصطنعتُ الإنتباه فعطرها أفقدني الوعيلأجزاء من الثانية. قالت: ما بك ياسيّد؟ هل أنت بخير؟ نعم، أجبتُ ملوّحاً بيدي أن تفضّلي بالجلوس.
آها! اذن جلستْ وما بقي هيّن، فقدح قهوة وحكاية غرام مضحكة يكفيان لفك شفرة هذه الفراشة الوحيدة.
بعد تعارف سريع شرعتُ بحكاية مرزوق القهوچي. مرزوق شاب فقير لكنه شبق. يبيع الشاي على الرصيف وينسج من خياله سيناريوهات غريبة يخرجها حالما يصل الدار في المساء. كان آخر أفلامه أن أجبر زوجته على ملاقاته سراً تحت السدرة. كان في دارهم شجرة سدر عالية، وقفتْ الزوجة المسكينة تحتها بعدما أطفأت أنوار البيت بانتظار عشيقها المجنون. حانت ساعة الصفر وبحركة بهلوانيّة طفر مرزوق سياج البيت واضعاً لثاماً أسود على وجهه.
أحجمتُ عن الحكي ريثما ترتشف كاترينا ـ وهذا اسمها ـ رشفة من قهوتها. "امممممم ماذا حدث؟ أكمل أكمل" قالت كاترينا فأيقنت بأنها تتابع حكايتي بحرص. قلتُ أجل ياعزيزتي كانت المسكينة بانتظاره تحت السدرة. دخل فناء الدار الخارجي يمشي على أطراف قدميه كي لا يوقظ أمه النائمة في الدار. أرسل من فمه صوتاً كهديل الحمام كما ينص السيناريو الذي خطّه بيده. لحظات وصار مرزوق العاشق تحت السدرة. جثا على ركبتيه. أغمض عينيه، ثم مدّ بوزه بانتظار أن تبادله الزوجة قبلة مسروقة، كما يفعل العشّاق في تلك الديار البعيدة .
"وماذا فعلت زوجته؟ هل قبّلته؟ قبّلته؟ هل حصل على قبلة؟ ما بك؟ تكلّم يا آزر تكلّم" قالت كاترينا بحماسة فأجبتها: نعم ياعزيزتي، حصل مرزوق على قبلة، ولكن ليس من شفاه زوجته، بل من نعل أمه التي كشفت الخطة ونصبت له كميناً خسر فيه أحد أضراسه. هكذا تتعامل الأمهات مع أولادهن المجانين في بلادي ياصديقتي.
بعد ضحكة لوّنت كاترينا بها أجواء المقهى انحرف الحديث الى مسارات أخر لا وقت لدي لقصّها عليكم. فكاترينا بانتظاري تحت شجرة التفاح في حديقة بيتها. لكني أعدكم بأني حالما أعود محتفظاً بكل أضراسي سأحكي لكم ما جرى.. انتظروني
مقالات اخرى للكاتب