لا أتحدث هنا عن العبادي الشخص، ابن العائلة الشيعية، بل عن العبادي رئيس الوزراء، فهو الآن رئيس وزراء للعراق بكل مكوناته، وليس سياسيا شيعيا كما كان قبل هذه المرحلة. يجب أن يكون هكذا، بل هو يتصرف هكذا بالفعل، وهو سلوك سليم ومنطقي.
قبل العبادي، بدأ سلفه المالكي البداية ذاتها، خصوصا خلال ولايته الاولى، لكن خصومه سعوا الى حشره في خانة شيعيته، فراحوا يروّجون، وبكثافة، مدعومين من ماكنة إعلام عربية، لمقولة الحكم الشيعي التي توحي بأن الآخرين لا وجود لهم في الحكم. برأيي كان الامر طعما ابتلعه الكثير من الشيعة، بما فيهم القريبون منه سياسيا، وراحوا يدافعون عنه بشراسة، ويغضون الطرف عن المخالفات التي تحدث من شخصيات شيعية، خصوصا القريبة منه، بعدما بات الدفاع عنه هو دفاع عن الطائفة، وتوجيه النقد له هو إضعاف للطائفة التي يرون انها مستهدفة إقليميا. هكذا ساعد هؤلاء أيضا في حشر المالكي في خانة الطائفة.
كانت النتيجة أن ممثلي الطوائف الاخرى تحركوا بمطاليب جمهورهم، فيما بدا المكون الشيعي وكأنه هو المقصّر، والمطلوب منه ان يقدم للآخرين، دون أن يجد من يلبي مطاليبه هو، وهي في الغالب لا تختلف عن مطاليب وحاجات المكونات الاخرى، إن لم تكن أكثر. هذا الواقع بات أرضا خصبة لمقولات تبريرية من قبيل "تضحيات الاخ الاكبر" و"ضريبة الاغلبية" وأمثالها، وهي مقولات لم تستطع إقناع الشارع الشيعي الذي بدأ بتساؤلات تطورت الى اعتراضات ثم تحركات شعبية اعتراضية على ما يرونه "تمدد الآخرين على حسابهم".
اليوم، يتصرف الدكتور حيدر العبادي كرئيس وزراء عراقي بعيدا عن انتمائه، لكن الساحة الشيعية تحاول، في أغلبها، شارعا وسياسيين، تكرار الخطأ ذاته الذي ارتكبوه مع المالكي. يريدونه شيعيا، وبالتالي يتوقعون منه ان يتبنى هو مطاليب الساحة الشيعية. نتائج هذا الوضع إذا استمر ستكون أحد احتمالين: الأول، محاصرة العبادي والضغط عليه ليقوم بأمور توفر مبررات للمتربصين به من الساحات الاخرى ممن يعارضون الشراكة أصلا، ومعهم الضاغطون لنيل امتيازات أكثر، لحشره في زاوية طائفته وبالتالي عودة الحالة السابقة ذاتها. أما الاحتمال الثاني فهو ان يصمد العبادي ويستمر على نهجه الحالي، وهذا سيؤدي الى اتساع الهوّة بينه وبين جانب كبير من الساحة الشيعية والذي سينظر إليه كشخص منسلخ من جلده، متخلٍّ عن انتمائه وجمهوره.
كلا الخيارين سيضران بالساحة الشيعية، والاستقرار السياسي في العراق ككل.الحل يكمن، باعتقادي، في أن يذعن الطاقم السياسي الشيعي الى حقيقة أن العبادي هو رئيس وزراء العراق الآن، وعليهم أن يتحركوا هم ويضغطوا لتحقيق مطاليب جمهورهم، كما يتحرك الباقون، وهو حق مشروع، فليس في ذلك إضعاف للعبادي، بل على العكس تماما، فهم سيعززون دوره ويمكنونه من أن يلبي لهم ما يلبيه من مطاليب الآخرين.
مقالات اخرى للكاتب