عندما تتحدث عن الرجل الاول في اية دولة او اي مسؤول يتقلد منصب رئيس الوزراء او رئيس مجلس الوزراء في اي بلد فان الحديث لا يمكن ان يختزل بمقالة او حديث عابر لما لهذا المنصب من واجبات وصلاحيات وتحديات تضع الشخص المتصدي له في مأزق كبير اي كان ومهما بلغت قدراته لان ادارة ملفات كالطاقة والامن والاقتصاد والخدمات بمجملها والتعليم والسياسة الخارجية هي امر عسير ويحتاج الى جهود كبيرة مضنية لضمان النجاح او على الاقل تسيير الامور بشكل طبيعي ومن دون مشاكل، لذلك تجد الكثير من الحكومات قد فشلت في قضايا كثيرة ومتنوعة وكانت نهايتها ان استقالت واعلن رئيسها الانسحاب وفتح الباب امام من هو افضل منه ربما او الاقدر للتصدي لهذه المهمات فبالتالي حافظ على ماء وجهه وكسب احترام الناس ووفر الكثير من الوقت والجهود والاموال وكلها تصب في النهاية في خدمة بلده بشكل عام وافضل من ضياعها فيما لو استمر نفس الشخص والكابينة الوزارية في نفس المنصب.
تولى نوري المالكي منصب رئاسة مجلس الوزراء في دورتين متتاليتين لم ينجح انتخابيا بل جاء في الاولى بديلا للجعفري عبر التوافق والثانية مفروضا عبر التفاهم الايراني - الاميركي وعلى حساب القائمة العراقية الفائزة عبر صناديق الاقتراع وصاحبة الحق انذاك في تشكيل الحكومة. في هذه الولايتين فشل المالكي فشلا ذريعا وعلى كل الصعد (وحتى المنجز الامني الذي كان يتعكز عليه المالكي في الولاية الاولى سرعان ما انهاروقضي عليه بفضل غروره ونزعته الفردية في القرار) رغم توفر العديد من عوامل النجاح وان كانت بنسب معينة الا انه لم يستغل حتى هذه النسب المعينة في تقديم انجاز يقنع العراقيين انه جدير بهكذا منصب ففي نظرة بسيطة الى المالكي وكابينته الوزارية وجهازه الاستشاري المحيط به تلحظ للوهلة الاولى ان الرجل قد احاط نفسه برجال ليسوا اهلا للمسؤولية تنقصهم الخبرات والمعرفة الضرورية في عملهم كوزراء وقد تقمصوا ادوارا ومهام لا قبل لهم بها ولا قدرة لهم على ادائها هذا اولا وثانيا انستهم مباهج وامتيازات المنصب واجباتهم وما يجب عليهم فعله فبان عجزهم وفشلهم وقد حاول المالكي تغطية الفشل الحكومي عبر افتعال ازمات مع الشركاء الازمة تلو الازمة لاشغال الراي العام وتشتيت انتباهه عما يدور من خلل وتقصير في الاداء الحكومي الغارق في وحل الفساد المالي والاداري وكذلك محاولته تخديرالشعب عبر تقديم الوعود الرنانة للقيام بمهامه حتى اصبح يلقب بالكذاب وهذا لعمري قمة الخزي والعار لرجل بفترض به ان يحترم كلمته وان يصدق في وعوده.
من يقول انه كان بالامكان في غضون 11 السنة الماضية ان ينتقل العراق الى مصاف الدول المتحضرة والمتوفرة فيها الخدمات بشكل دائم ومقنع ومقبول لدى المواطن فهو يبالغ واذا ما قدرنا النسبة المئوية لعملية البناء وتقديم الخدمات فان افضل نسبة هي 20% لمدة عشر سنوات فيما لو قدر وعمل المالكي مع تشكيلته الوزارية في تعاون تام وتنسيق جيد لان العراق بلد كبير المساحة والخدمات الكثير منها قديم او متوقف ويحتاج الى تجديد ولكن حتى هذه النسبة المئوية من العمل والبناء لم يصل اليها المالكي في كلا دورتيه الوزارتين والعذر جاهز ان الكتل السياسية او الشركاء هم غير متعاونين او لا يحبذوا ان يجير النجاح في تلك المهمة للمالكي وهي اعذار اقبح من الذنوب التي ارتكبها المالكي. وبدلا من ان يعالج الفساد باقالة الوزير الفاشل واحالته الى الاستجواب في البرلمان ومحاسبة كل من يثبت تقصيره احتفظ المالكي لكل مسؤول فاسد بملفات يستخدمها ضده وقت اللزوم او عند حصول الاختلاف والقطيعة ليبرزها ضده وكاننا نسينا مهمتنا الاولى والمقدسة في علاج مشاكل البلد والنهوض به ومحاولة وضع اساس للانطلاق به نحو التقدم والرفاهية في بلد يملك الكثير من الخيرات والخبرات البشرية والموارد المالية.
فقدان الامن وضياع اكثر من 800 مليار دولار وخدمات وبنى تحتية مثيرة للشفقة وفساد اداري ومالي رهيب وسياسة خارجية يرثى لها هذه هي منجزات المالكي بعد ولايتين من الحكم ولم يكتفي الرجل بكل ذلك بل رشح نفسه لولاية ثالثة ولا ندري على اي اساس استند وماذا ينتظر ان يقدم في ولاية ثالثة يزعم انها لو كانت حكومة اغلبية فسيكون الاداء فيها افضل والنجاح حليفه وهي حجج غير مقنعة البته للعراقيين.
العمل الجاد والدؤوب والصدق والحزم والاصرار واليد النظيفة والتمسك بالوطنية ومحاسبة كل مسؤول يقصر في حق الشعب والبلد هي من صفات القائد الناجح فان لم تتوفر فيك هذه الصفات فالتنحي افضل وفيه احترام للذات فلا باس انك لا تستطيع ولا تقدر وتعترف بذلك لاننا بشر وتختلف امكانيتنا ومهاراتنا في اداء الواجبات.
ان عملية بناء الاوطان والنهوض بها وخدمة الشعوب والرقي بها عملية بالغة التعقيد لا ينجح فيها الا من امتلك الصفات اعلاه وكان ذو حظا عظيما.
مقالات اخرى للكاتب