كانت نيروبي مدينة حديثة جًدا في مقاييس أعمار المدن. فقد أطلق عليها رجال قبيلة الماساي٬ قبل نحو 60 عاًما٬ هذا الاسم عندما كانوا يرعون قطعانهم في هذه المستنقعات الرطبة. وما لبثت أن امتلأت بالأكواخ٬ يربطها بعالم النقل خط حديدي واحد. ومن ثم تكاثرت المنازل والطرق بين 270 نوًعا من الأشجار. جاءها المهاجرون من كل مكان. ولكن أين «السافاري» الذي نحلم به؟ الاسم مضحك هنا. البلد كله «سافاري». أفريقيا الشرقية كلها «سافاري». أما بطاقة العضوية التي أحملها إلى «سافاري جبل كينيا» فلن تفيدني إلا في التباهي بها أمام الناس. الوصول إلى النادي يتطلب رجلاً آخر وثرًيا يهوى صيد الأدغال. لكن البطاقة الأرستقراطية سوف تقدم لي فائدة ذهبية في لبنان. عام 1970 نشرت «النهار» تحقيًقا مصوًرا عن صاحب شركة «جاغوار وفيات» روبير طراد ورحلات الصيد في «جبل كينيا». وكنت أنوي شراء سيارة فيات جديدة وليس معي من مقدمها سوى سيارة G.M .تدخن من أنحائها الأربعة. وذهبت إلى مقابلة روبير طراد ومعي بطاقة السر. عطا الله كود. وقبل أن أخبره بما لا أملك٬ حدثته عن كينيا كأنني أحدثه عن شارع الحمراء. شاهدت على وجهه الأرستقراطي ملامح فرح عظيم. لا شك أن هذا أول لبناني يحدثه عن كينيا. وعن فندق «نيو ستانلي»٬ الذي يملكه صديقه وليم هولدن. وفتحت الذكريات باب صداقة استمرت حتى وفاته عن 92 عاًما. لكن في ذلك اللقاء٬ كان لا بد من أن يطرح علّي السؤال الأساسي: ما هي دفعتك الأولى؟ قلت: سيارة إم. جي. نادى على أحد موظفيه وطلب منه فحصها وتقدير ثمنها. جلست أنتظر عودته مرتعًدا. فلما عاد سأله روبير بكم يثمنها؟ فأجاب في ظرف: «هيدي معلمي ما الها ثمن. هيدي أنتيكا». وضحك روبير وسلمني مفتاح السيارة الجديدة. ولنعد إلى نيروبي. كانت هناك بضعة احتفالات رسمية٬ أما باقي الوقت٬ فكان التسكع في المدينة جميلاً. الطقس معتدل في ديسمبر (كانون الأول)٬ والدنيا سعيدة وآمنة٬ ومستوى الجمال٬ بجميع بشراته٬ مرتفع المستوى. في ضحى ذات يوم٬ شاهدت واجهة دكان صغير مليئة بالحلوى. دخلت المحل فوجدت بائعتين٬ شقراء من بلاد أوروبا٬ وسمراء من بلاد القارة. وطلبت شراء حلوى بمبلغ جنيه: وانفجرت القارتان بالضحك. واستمرتا في الضحك. وإذ وقفتُمحَرًجا ومخبولاً لا أدري ما سبب كل هذا الضحك٬ قالت لي الشقراء: هل تدري ماذا تأخذ بجنيه؟ وسارعت السمراء إلى الإجابة: «المحل برّمته». ثمُسئلت من أين أنا؟ فلما أخبرتهما قالت السمراء إن والدها لبناني من جنوب أفريقيا. لقد عثرت على لبناني آخر.
مقالات اخرى للكاتب