ان ازمة الكهرباء في العراق، تعد من اكبر الازمات الخدماتية منذ سقوط الدكتاتورية ولحد الان، هذه الازمة، التي ارهقت المواطنين، وبحت اصواتهم للمطالبة بحلها، منذ اكثر من عقد من السنين، فهذه المشكلة التي بدت كأنها مستعصية على الحل رغم تخصيص مليارات الدولارات لحلها والتي تتجاوز الـ 40 مليارا كما يكرر ذلك مرارا وتكرارا معظم المسؤولين والبرلمانيين، وسبب الاستعصاء كما هو متفق عليه، من قبل المسؤولين والمواطنين على حد سواء هو الفساد والفشل الذي يضرب باطنابه في مفاصل وزارة الكهرباء بالرغم من التغييرات التي جرت على مستوى الوزراء فقط ولم تمس بقية مفاصل الوزارة التي تعشعش فيها مافيات الفسادٍ، وهذا هو بيت الداء الذي لم يعالج بالدواء الناجع لحد اليوم.
ان آفة الفساد يعود الى عدم الجدية في الحد منها على الاقل، لانه يمس مصالح الكتل المتنفذة، وهذه لب المشكلة وحقيقة الاخفاق في معالجتها.
لقد تعاقب على ادراة دفة هذه الوزارة التي تعتبر رئة العراق الاقتصادية والخدمية، خمسة وزراء بدأ من ايهم السامرائي ومرورا بمحسن شلاش وكريم وحيد وكريم عفتان وانتهاء بالوزير الحالي قاسم الفهداوي، لكن المشكلة لم تحل بل تتفاقم يوما بعد يوم، بالرغم من الحلول الترقيعية واطلاق الوعود التخديرية للمواطنين، كالوعود التي اطلقها المالكي مطلع عام 2011 بعد التظاهرات الشعبية التي طالبت بالاصلاح وتوفير الخدمات، لكن تلك الوعود لم تنفذ على ارض الواقع.
ان الكتل النيابية تستقتل من اجل نيل هذا المقعد الوزاري، لان فيه (خبزتهم) كما صرح بذلك احد رموز اتحاد القوى السيد صالح المطلك. لقد عجز كل هؤلاء الوزراء عل مدى 12 عاما من حل هذه المعضلة رغم رصد الاموال الطائلة لمعالجتها، لكن الغريب في الامر ان احدا من هؤلاء الوزراء لم يحاسب على الاموال التي وضعت تحت تصرفه لحل مشكلة الكهرباء بل بالعكس ان رؤساء الحكومات السابقين سهلوا امر هروب هؤلاء اللصوص الى الخارج مستغلين جوازاتهم الاجنبية، ولم تحاول الحكومات المتعاقبة من الطلب الى الدول التي يتواجد فيها لصوص الكهرباء بتسليمهم الى السلطات العراقية لمحاسبتهم عن هدر الاموال الهائلة من خزينة الدولة ومحاولة استرجاعها منهم، هذا الامر يضع الف علامة استفهام على القابضين على زمام السلطة في العراق، ان هذه المسألة ابعد من موضوع المحاصصات، بل تعود الى ان وزراء الكهرباء السابقين كانوا يدفعون لرؤساء كتلهم مبالغ لقاء حصولهم على هذا الكنز ورؤساء الكتل يقومون بشراء هذا المنصب من الكتل المتنفذة الاخرى، بمبالغ خرافية لا تدفع من جيوبهم بل من الاموال المخصصة لاعادة تأهيل الطاقة الكهربائية وليسوا معنيين ابدا بهموم المواطنين ومعاناتهم.
واليوم تثار زوبعة جديدة ضد وزير الكهرباء الحالي ومحاولة تحميله وزر كل الاخفاقات السابقة في مجال الكهرباء بالرغم من انه لم يمض على استيزاره سوى عام واحد، ولا انفي هنا مسؤوليته ايضا عن التردي الحاصل في الطاقة الكهربائية، فكان عليه ان لايجامل من سبقوه في تولي مسؤولية الوزارة حيث كان عليه ان يصارح رئيس الحكومة ومجلس الوزراء والنواب والشعب العراقي عن الفساد الذي نخر في مفاصل هذه الوزارة قبل توليه للمنصب، لكنه مع الاسف لم يقم بذلك.
واخيرا اقول لابناء شعبنا الابي وللمتظاهرين منهم على وجه الخصوص، هل اذا استجاب مجلس النواب لمطلبكم بازاحة الوزير الحالي من منصبه سوف تحل مشكلة الكهرباء؟ اجيبكم على هذا السؤوال بـ (لا)، اذ ليس كل من يطالب بأقالة الوزير هو مخلص لطلبه وحريص على مجيء وزير آخر اكثر نزاهة ومهنية من الوزير الحالي، ان شهية الكتل المتنفذة التي ترى ان وزارة الكهرباء من استحقاقها، مفتوحة، لشفط ما يمكن شفطه مما تبقى من الاموال المخصصة للكهرباء، وهذا هو بيت القصيد من الحملة على الوزير الحالي وهو ثمن الاطاحة به ليخلفه وزير اكثر فسادا وفشلا من الوزير الحالي، هل فهمتم اللعبة يا اعزائي؟، ان اصحاب الاستحقاق لهذا المنصب، كما يزعمون عيونهم مفتوحة على هذا الكنز واعوانهم متعشعشون في اروقة الوزارة ومتحكمون في قرارتها ليس لصالح الجماهير المطالبة بالاصلاح ومنها الكهرباء بل لملء الجيوب، فلا هناك حسيب او رقيب عليهم بسبب المحاصصة اللعينة التي هي اساس الداء والمشكلة التي لا يمكن حلها الا بمعجزة التخلص من هيمنة الكتل الطائفية والاثنية على القرار السياسي العراقي، ارى ان الوصول الى ذلك الهدف ليس بالوقت القريب، والامر اليسير، رغم ايماني بقدرة الجماهير على صنع المعجزات.
مقالات اخرى للكاتب