قد يتهمني البعض بأني متشائم من الوضع العراقي، عند قراءته لهذا الموضوع، أقول لهؤلاء أنا كذلك، فكلما يجري على الساحة العراقية يؤشر بمستقبل معتم ليس ببعيد للعراق ، فلو القينا نظرة متفحصة على ما يجري على الساحة السياسية، نستخلص بأن صراعا كان خفيا وخلف الكواليس، كان يطفو على السطح بين فينة واخرى، فيما بين القوى السياسية المتنفذة، الا انه بدأ بالظهور الى العلن في هذا الوقت بالذات وبشكل حاد، تحت غطاء طائفي متطرف أكثر من السابق، من قبل الاطراف المشاركة في السلطة، لماذا الآن بالذات طفح هذا الصراع على الساحة؟ الجواب على هذا التساؤل هو ان الدور الذي رسمت من قبل الجهات الدولية لداعش كأداة لتنفيذ مخططاتها، بتمزيق المنطقة العربية وتفتيتها على شكل كانتونات طائفية واثنية، تحارب بعضها البعض، والنتيجة تصب لصالحها ولصالح اسرائيل، حيث يتم تنفيذ هذا المخطط بيد سياسيو وحكام المناطق والدول التي نشطت على ساحتها داعش وحققت مكاسب كبيرة على الارض، (العراق، سوريا، ليبيا،اليمن) وتنشط في سيناء المصرية وبعض المدن التونسية، يبدو ان مهمة داعش على وشك النهاية، ثم تأتي الصفحة الثانية لهذا المخطط، وهو اعادة ترسيم حدود الاقاليم التي أبلوها بداعش، على قاعدة سياكس بيكو القرن الواحد والعشرين. بدأ ملامح هذا المخطط في سوريا، حيث يتم تقسيم المجموعات المسلحة بين (معتدل) ومتطرف وللمعتدل دور في اعادة صياغة الدولة السورية بدعم مالي ولوجستي وتسليحي معلن من قبل دول الخليج وتركيا، وبدعم غربي في مقدمته الولايات المتحدة ايضا. وقد سهلت سياسات نظام الاسد الاستبدادية الطائفية، واستعانتها بحزب الله اللبناني وايران في حربها على مختلف المجموعات المسلحة على تمرير هذا المخطط، في الحقيقة أنها مدرسة البعث الفاشي التي تلعب على اثارة النعرات العنصرية والطائفية بين مكونات المجتمعات العربية لأطالة عمرها في التحكم برقاب شعوبها كما كان يحدث في العراق ابان النظام الدكتاتوري السابق.
أما في العراق يلاحظ السياسي الحصيف بأن السيناريو السوري بدأ يطفو على السطح، فأعلان تشكيل التنسيقية السنية التي تظم معظم القوى السياسية السنية في هذا الوقت، وأصرارها على ذكر المحافظات الست (المقصود بها السنية) المحتلة، على حد قولها، وهذه المحافظات المقصودة، نينوى المحتلة فعلا من داعش، والانبار المحتلة معظم مناطقها من داعش، وصلاح الدين التي تحررت عدا قضاء الشرقاط، مع زج محافظات كركوك التي بمعظم مدنها ليست بيد داعش الا قصبة الحويجة وبعض النواحي العربية التابعة لها، وهي لا تشكل اكثر من 10% من سكان المحافظة، كذلك محافظة ديالى التي تحررت بصورة كاملة تقريبا من داعش أضافة للعاصمة بغداد التي لا يحتل داعش أي جزء منها! ولكن يصر السياسيون السنة المنظوون في التنسيقية المعلنة، انهم الاكثرية في العاصمة، (لكن لم يوضحوا في بيانهم انها محتلة من قبل من؟) ويريدونها ان تكون عاصمة العراق للجهة الغالبة حسب مخططاتهم. ان الهدف واضح من هذا الخلط، وهو تمهيد لتقسيم العراق (دويلة شيعية) تخضع للأملاءات الايرانية ( ودويلة سنية) تتحكم بها دول الخليج وتركيا وبين هاتين الدولتين المفترضتين، دولة كردية تعلن كأمر واقع، لهذا نجد بأن حكومة الاقليم فتحت أبوابها لكل سياسي سني معارض، متطرفا كان أو معتدلا، كذلك سماحها بشكل واضح بالتدخل التركي بقواتها في الارض العراقية، مع علمها بمدى عداء الطغمة الطورانية الحاكمة في تركيا (تحت المظلة الاسلامية) للتطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي في مختلف ارجاء كردستان المقسمة بين الدول الاربع.!
اضافة لسكوت او اعلان رضى من قبل معظم القيادات السياسية السنية، على التدخل التركي، كرد على التدخلات الايرانية المناصرة للاحزاب الشيعية المتنفذة حسب رؤاها التي لا تخلو بعضها من الصحة.
هل هذا السيناريو سيكون قيد التنفيذ بتراض ودون سفك دماء بين كافة الاطراف المتنفذة في العملية السياسية؟ انها بألتأكيد لا، فالصراع سوف يندلع لانتزاع بغداد، كل يريدها عاصمة لدويلته (الشيعية او السنية) مدعومين من دول الخليج وتركيا من جهة ومن ايران ربما بدفع روسي (لايجاد موطئ قدم لها في العراق) من جهة اخرى، وصراع آخر سينشب بين العرب السنة والكرد بسبب المناطق التي اسماها الدستور (بالمتنازع عليها) وهذا سينعكس حتما على المناطق المختلطة، كديالى (سنة وشيعة وكرد وتركمان) كذلك ينطبق على صلاح الدين، وحتى نينوى المحافظة، التي تتشكل معظم اطرافها من الازيديين والمسيحيين والكرد والتركمان والشبك والكاكائيين، هل ستقبل تلك المجتمعات بحكم عربي سني مركزه الموصل، أم سيلجأون الى المحافل الدولية لفصل مناطقهم عن مدينة الموصل العربية السنية بمعظمها وتشكيل كانتونات طائفية وقومية لتلك المجموعات السكانية؟ بدعم غربي امريكي، الا تجدون ايها القراء الافاضل انها حالة سورية تمهيدا لتنفيذها على الساحة العراقية؟.
كل هذا التشظي الذي لا اعتقد ان العراق سيسلم منه الا بمعجزة، طالما ان المتصدين للسلطة بمختلف عناوينهم مصرون على طائفيتهم وعنصريتهم السياسية ولا يخطر ببالهم الخطر المحدق بالعراق، الذين جعلوا من العراق غنيمة تقاسموها، وخلافاتهم كلها تدور حول من يكون صاحب الحصة الاكبر، يتربص واحدهم بالاخر، لا لتصحيح الاعوجاجات التي لا تعد ولا تحصى في العملية السياسية العرجاء، ولا لأنقاذ الشعب مما هو عليه، انما للاسقاط السياسي احدهم للاخر، بالرغم من كل هذه المآسي التي حلت بالعراقيين على يد هؤلاء، من دماء بريئة اسيلت واجزاء من الوطن سلبت على يد مغول العصر، ومن اموال نهبت من المال العام، وتفش غير مسبوق في الفساد، وبطالة متفشية بين الشباب المتعلم بصورة خاصة، وابعاد لذوي الكفاءات في مفاصل الدولة (ان وجدت هناك دولة حقيقية)، وتمزق على الصعيد المجتمعي، التي لم يشهد تاريخ العراق الحديث له مثيلا، رغم كلما تقدم، لا يرعوي هؤلاء السياسيون الفاشلون، اذ نراهم مصرين على سياساتهم المدمرة التي اوصلت البلد الى حالة لا يحسد عليها، وبالرغم ما ألمَت الخطوب بالوطن والمواطن على أيديهم. وأخيرا هذا هو الخطأ الفادح الذي اقترفه الشعب بأختيار هذه الوجوه الكالحة التي لم يحصل منهم غير خراب الوطن وتدمير الشعب، وهو يدفع ثمنا غاليا لخطأ اقترفه أكثر من مرة، ويعيد الكرة وهو لايريد التعلم من دروس التاريخ في اختيار الافضل والاشرف، ويولول على ما يصيبه من ضيم ونكد على يد هؤلاء، بعد اختياراته الخاطئة.
مقالات اخرى للكاتب