لاشك أن الصحفي أو الكاتب، هو صاحب رسالة يعيش ويتحرك مع الأحداث وبين الناس، لكي ينظر إلى أوجاع وهموم الناس وينقلها بقلمه بكل مصداقية وشفافية، ويعتبر قلمه صرخة حق ومتمرد على الأوضاع الباطلة والفساد في المجتمع محارباً البيئات الظالمة، ناهضاً بأعباء رسالته وهو يعالج الأمور في الأفق بأن العدل والنفس هما أساس وسر مهنته.
بديهي جداً أن كل إنسان يعمل في مهنته أو حرفته في الدنيا، فعليه حق وللدنيا عليه حق، فله أن ينال من ضروراتها ومرفهاتها ما يحفظ حياته ويسعدها، ويسعد معه الآخرين في الدنيا، وقد يكلفنا عملنا جهداً ومشاقة يتصبب معه العرق والجهد ويطول فيه العناء، ولكن الجهد المبذول لا يجوز أن يميل بنا عن الجادة، أو يزيغ بنا عن الحق، ولذلك فإن الإستسلام لأي تيار يحمل الكآبة بداية انهيار في الإرادة مصحوباً بالعجز والشلل.
عندما أتكلم عن (بلاط صاحبة الجلالة) وهي الصحافة، فهي الأدب والتربية والتعليم، فهي أدب الجماهير والقراء وعامة الناس، فهي تخاطب الناس بلغتهم وتزرع في نفوس الناس الأماني والوطنية الخالصة، فهي الروح والمزاج وعين الشعب في محاربة الجرائم وأصحاب مخالفة الضمير ومحاربة الظلم والفساد في المجتمع. فالصحافة والصحف هي مرآة الأمة عامة، وهذه المرآة اليوم تريها نفسها كما هي الآن، فهي مرآة الغد تريها نفسها أيضاً، كما يجب أن تكون في المستقبل.
الصحافة هي الأداة صاحبة التنوير والفهم والحلول والتعليق والتبصير مصحوبة بأقلام الكتاب والأدباء الممتازين، وهنا يجب أن نلاحظ أننا نفهم بعين القارئ وأحاسيسه كي نخاطب الشعب بأكمله بمختلف اتجاهاته وسلوكياته سواء الثقافية أو الفنية كي نقرب بين الطوائف العامة من الشعب.
ولكن ما أحب أن أؤكده هنا أن الصحافة هي بمثابة عدل ومعالجة الاستبداد، فهي مهنة الشرف، فإذا كان هناك علة، فعلى الصحفي أو الكاتب أن يكافح ويدرس ويعالج، لأن شرف المهنة يقتضي ذلك، فالصحافة هي مهنة المتاعب وحياة معاً ودراسة الدنيا أيضاً.
ولا يسعني في هذا المقام بأن أنبه أيضاً بأن المقالة والخبر هما أساس فن الصحافة وميدان للمباراة والتوفق بأناقة المقالة، فهي قوة جاذبية كبيرة تشد القارئ إلى صميم الموضوع، خصوصاً الصحفيين الذين يبدعون في الأسلوب والكتابة حتى يكون سهلاً على القارئ، وخصوصاً على بعض أو قلة من أفراد الشعب الذين لم يحصلوا على مقدار كبير من الثقافة (مع الإحترام)، أن يفهموا ويسيغوا فهذا الأسلوب له قيمة في ايجاد القراء للمقالات والصحف، فالمقالة هي تربية للقارئ تستطيع أن تربي كثير من الأجيال. وهنا يلعب الصحفي الممتاز الذي ينصهر في بوتقة الأدب والعلوم والفنون، بحيث يعالج مشاكل الناس وهمومهم بميزان الآداب ويكتب بالأسلوب الراقي الأدبي المهذب الذي يريد الفهم ويصقل الذهن، فهو الذي يبصر بقيمة العلوم في التطور العالمي والحاضر، وأن يكون على دراية ومعرفة بالآمال والمخاوف، فهو الذي يفكر بعقلية حيث يتحدث عن مشكلات الناس في ضوء من التيارات السياسية، فهو فيلسوف الكلمة في عالم الصحافة.
كما لا ننسى أن الفضل يعود للصحافة والصحف، أن الكتاب والأدباء الذين يستخدمون الأسلوب السهل المنير في كتاباتهم هو الذي يجذب فريقاً من القراء لاستخدام استعمال اللغة السهلة التي تبلغ بها معاني الفهم العميق للقارئ دون استعمال الحشو من الكلمات التي تصد القارئ.
لقد ومازالت أرجو أن تهتم الصحافة ووسائل الإعلام الوطني والخاص أن تهتم بشؤون الناس وآلامهم، حيث كانوا وحيث يعيشون، والاهتمام بقضاياهم، فإن هناك قصوراً أو تقصير في هذا الميزان، فالصحافة والإعلام كليهما حرفة ورسالة.
مقالات اخرى للكاتب