كثيراً ما كنت وما ظلت أجيل بفكري، وأحلم وأردد بخواطري في أحوال الناس، وكم كنت وأكون سعيداً لسعادتهم، وأشقى لشقائهم، ولكني في حيرة وليتني أطلب في كتاباتي وأتمنى بالإخلاص في الأعمال لأهل بلدي وأمتي، وأتمنى أن يتخلصوا من كل الدركات إلى أعلى الدرجات، ولكن أسفي يزداد عندما أنظر إلى بعض من أهل وطني وأمتي يسعون إلىِ الهدم والخراب والفساد وسفك الدماء وكأن يأسي على ذلك يغالب رجائي المنتظر وقنوطي الذي يغلب أملي في الحياة، فكلاهما يغلبان (الرجاء والأمل) في إعلاء كلمة الحق والرأي ورفع مجد وفخر بلادنا وأمتنا.يقرع في أذاننا جميعاً وأمام أعيننا هؤلاء المتعصبون للسياسة والفكر والدين الذين يختلفون في الآراء في أمور الحياة، فتجد رأيان في أمر ما إلا كان أحدهما حقاً والآخر باطلاً، لذلك فإن الحق مهما كان لديه من الظهور والبروز وسعة المجال في تواصف الأشياء والأمور والآراء، فإن أضيق الأشياء تناصفاً وتعاملاً للمتعصبون تخفى عن أعينهم مسالكهم وعدم إتزان أعمالهم وأفعالهم، لذلك فإن الحق يكون للإنسان وعليه. فيظنون أن آرائهم وأفعالهم هي ظناً منهم أنهم على حق، وقد أوجبوا الشقاء لأنفسهم وبين الناس أبناء الوطن الواحد، بل الأمة. وليست لهم كلمة أو رأي يكون فيه الإصلاح لبلادهم وأمتهم. مما يجعل النفوس ما قرت، وإن هيجان الفكر والعصبية في القلوب ما همدت أبداً، والفتنة ما أطفئت التي تنشر في وساس الذين يلقونها لنيل أغراضهم الغير نبيلة.
إن نعرة التعصب في هذا العصر التي تضطرب في المجتمع والأمة، وقد يختل ميزانها، وقد تفرق وتقسم وربما تكون رأي وفتنة في السياسة والفكر والدين وليست لصالح كل هؤلاء، فإن سوق التهم جزافاً والرمي على الآخرين بدون وجه حق يوقع هؤلاء المتعصبون في العقوبات وتهوى آرائهم وفتنتهم في الدرك السحيق. فكل إنسان من حقه حريته في إبداء رأيه في سير الأمور ولكن بحدود وإحترام، فإن حرية السياسة مثلاً تقوم على المناصب المختلفة وهي وسيلة لخدمة الناس والمجتمع. وأن ما يشغلها هو موضع الرقابة الدقيقة من المواطنين، فلا حرج أن يبدي المواطن رأيه دون عبث أو هدم أو فتنة أو سفك دماء ويعلم أن المناصب العليا هي أمانة ثقيلة يطلب لها أعظم الناس تقى وعلماً، فلا يجوز التدخل ملئه الطمع والتطلع والسيطرة، إلا إذا كان هناك أخطاء من هؤلاء الساسة فوجب إيقافهم والوقوف في وجوههم ولو تكلف الأمر، فمثلاً يسند منصب لرجل إلا كان ترفعه كفايته إليها وذلك عن طريق انتخابه، فإذا أحبه الناس عمل من أجلهم بكل صدق وأمانة وإخلاص، فالسياسي المحنك هو الذي يعمل من أجل رفعة الوطن وأمته، فإنه يتصرف تحت رقابة المجتمع والأمة التي يريد أن يطمئن إلى سلامة مصالحها وإلى استقامة رسالتها في هذه الحياة ومن أجل الحياة دون دماء أو فساد أو هدر أموال عامة، فإذا توافرت هذه المثل الإيجابية في السياسي أو الرئيس فلما الهجمة والعصبيات على كل من يعمل لصالح البلد.
فإن الحاكم إذا عمل لمصلحة الوطن والأمة، فمن حق الناس أيضاً أن تطمئن إلى هؤلاء الرجال الذين يعملون لصالح الوطن، فلما التعصب والعبث واللعب بأدمغة الناس العاديين (مع الإحترام)، هؤلاء الناس الذين يريدون الاستقرار.
ولعلني عزيزي القارئ أيضاً أتعجب من بعض العقول الفكرية المتعصبة ألا يعلموا أن حرية الفكر هي عقل وعين تبصر، فالمتعصبون لفكرهم وفي آرائهم هم في غفلة وذهول. هؤلاء مصابون بكسل فكري واسترخاء عقلي، مما يجعلهم أصحاب اضطراب في الصلات بالناس وتزداد جرائمهم الفكرية باختلاف أساليب البحث ووسائل النظر في الأمور بعقل وحكمة. فالزج بالفكر الخاطئ في عالم ما وراء المادة وإبداء الرأي المخالف ووجود تصورات خيالية كاذبة، هذا ما يجعل الفكر والعقل في خطأ وفساد، لكننا نؤمن بحرية الفكر المستنير لخدمة الوطن والصالح العام من أوسع النطاق بما فيه ضمانة لأصالة وجودة الفكر الوطني الهادف لخدمة المواطن والمجتمع. فما دمنا نملك حرية فكر محكوم بحسن نية فيه شرف الوجهة، ومنح كل امرئ حق الإبانة عن رأيه كما تكون نفسه، بحيث لا يحدث فكراً فاسداً أو شغباً وألا يظلم الفكر الناس في حياتهم فهذا فكر حق وهذا فكر ما تعرفه أعرق العقول الفكرية في أعرق الدول من حرية وغيره.
... ولعلني أذهب بقلمي في عقول المتعصبون للدين، فليعلموا أن حرية الدين التي كلفها الإسلام هي حق وعدل ورحمة ورحبة صدر وآفاق واسعة الأقطار يتعاون الجميع من أجل كل الأديان جميعها على حسن الجوار وكرم اللقاء وتتسع كل القلوب لكل دين، فنحن روح خلقنا رب واحد، علينا أن نحترم كل الديانات الأخرى، فلا يجوز العبث ومحاربة الناس من أجل الدين، فكل إنسان يعرف نسبة إيمانه لا يجوز التعصب والفتن بعصبيتك المتدهورة في مجتمع يضم أناساً من مختلف الأديان، فقد نرى من يثور في النقاش بعصبيته بين الناس، فأين إلتزام الأدب والهدوء؟ فهنا مطلوب حرية العقل والضمير في إحقاق الحق وإبطال الباطل بكل هدوء، فالجو هو جو حرية نبيلة وطمأنينة شاملة وهذا ما يجب أن ينشده المتعصبون بين الناس وللناس بتفكير هادئ واع مثقف في آفاق المجتمع، فلا يذل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان بل كل القصد أن يرتقي الإنساني بعقله وفكره وسياسته ودينه بالعلم، فيحمل الخير وهو يعرف أن الخير النافع هو رضى الله ثم الناس وأن يترك العصبية ويفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته لنفسه.
... فعلينا بكل رجاء أن نصل بأنفسنا إلى درجة من حقيقة الفهم والإدراك وعدم التعصب الذي يؤدي إلى إراقة الدماء لبعضنا البعض، وأن نتلاشى النزاع والخصام بيننا ولصالح أولادنا وأجيالنا القادمة، فكل إنسان تعروه الدهشة عندما يرى أفراد المجتمع الواحد يسّوق بعضهم البعض إلى التذمر في الآراء والتشبث بالفكر، فنحن في عيشتنا نريد أن ننصف بعضنا البعض وأن نعيش في إخاء وهناء، ريثما يعرف الجميع أن يوماً ما سوف يكون هناك الفناء.
... فهيا نجعل من عصبيتنا سبيلاً لتوحيد كلمتنا واجتماع شملنا وأخذ كل منا بيد أخيه إبن بلده وإبن أمته ليرفعه من هوة النقص إلى ذروة الكمال، فالنتعاون على البر وحب الوطن والخير لنا جميعاً وأن نترك العصبية وأن تتضافر كل الناس والبلاد على المحبة والقوة ومنافسة الأعداء الخارجيين.
مقالات اخرى للكاتب