واحدة من الإشكالات الفكرية التي واجهها الفكر الإسلامي في تعامله مع قضية الحرية والأختيار في التدين هو التناقضات النصية والقصدية بين قاعدة ((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) وبين قاعدة ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ))" التوبة الآية 29 ,التناقض يبدو من غير الممكن توفيق مقتضيات النصين وفق نقطة مشتركة تعترف للنص الأول بوجوديته الدالة وللنص الثاني حاكميته الفاصلة دون أن نستهبل العقل بترديدات لأفكار سقيمة تحاول أن تفرق بين النصوص حسب عوامل الزمن والمكان وتطور القوانين الإسلامية مع واقع حال الأرض .
لو رجعنا للنص الأول وهو نص الأختيار بحقيقة كونه خطاب عام للإنسان موجه من الديان يقتضي أن علاقة الإيمان هي علاقة فردية بين طرفين الأول عالم والثاني مختار وبين العالم والمختار هناك صورة حقيقية تقتصر عليهما فقط , وهناك صورة عامة قد لا تكون بذات المصداقية هي التي بين المختار والواقع بما فيه الأخر , فمن شاء قرار ومن شاء الأخرى قرار وبين القرارين هناك ينظر العالم بعين اليقين التي لا يطلع عليها أحد سواه , وهو المسئول عن قبولها ورفضها وبالتالي لا أثر حقيقي يترتب للأخر ,لا منه ولا عليه من حقيقة هذه العلاقة لأنها ليست في مدار إحاطته الخاصة ولا تقع تحت تأثيره , فهي ملزمة وواضحة ومرتبة الأثر على طرفيها فقط .
الدليل في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) هذا النص موجه مرة أخرى لذات الشخص الذي من المفترض ومن خلاله يصل الجواب للناس ,بأن من يشاء أو من لا يشاء ليس على الأخر الموافق أو المخالف من سلطة أو أثر من تقرير يمتلكه في مواجهته لأن ليس من واجب أحد أن يفعل ,الإشاءة متوفرة ومحترمة وحقيقية لكنها ليس في وارد المجاهرة بها وهذا هو حكم النص ولا علاقة له بقضية أن تكون نص حاكم بين أن تكون مستجيب لدعوة الله أو ممتنع في تطبيق أمر يعده البعض نص ملجئ وآخرون يبنون نظريتهم عليه (قاتلواٍٍٍ) ,لكل من النصين مدار الأول خطاب ذاتي والثاني خطاب إرشادي ,وقاتلوا الذين يقاتلونكم ,المفتاح هنا موجود في كلمة اللذين وليس مطلقا ولا مفتوحا على العموم .
الدعوة لله كما جاءت في نصوص القرآن الكريم مثلا لم يكن الغرض منها تعويضا لنقص أو حاجة لملئ شاغر أو سد مكان مفقود ,بل هي غاية في حد ذاتها مبنية على منفعة المهتدي وتدور عدما ووجودا مع هذه الغاية وهذا النفع{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } " [الأعراف : 158,الإقرار بالقتل مقابل عدم الاستهداء إثبات ما نفي عن نفسه بنفسه {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } ,إذن العودة لشرط المقاتلة وخاصة للذين لا يؤمنون بالله أن يبادروا هم للقتال {(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }190 البقرة ,نسبة الربط بين الإيمان والمقاتلة لا وجود حقيقي لها في النص ,نعم موجودة ومتجذرة ومتأصلة في الفكر السلطوي للمتأسلمين الذين يخلطون بين المبدأ الديني والقضية الذاتية الخاضعة للبيئة والظرف والتطبع .
لا يصح أن ننسب له رغبة بشر ولا ندع أن اله[ أمر بنصف جملة ونترك النصف الأخر أبدا ,وحدة المفهوم هي عماد القصد في النصوص المعرفية البسيطة ,فكيف لنا أن نتعامل مع نصوص حاكمة ولها علاقة بنظام كوني قد يكون الإنسان ضحية عدم إدراك مديات القصد وصورته التامة فيه , الها لا يؤمن بالقتل ومن يقتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا , الهي لا ينسب الفساد لعدم الإيمان به ولم نجد نصا يثبت واقعة النسبة والتناسب , ولكن الفساد في فكر اله يعتمد في أستحضار مصاديقه بالخروج عن طباع الأشياء ومقتضيات القضايا التي تنشأ في واقع سوي معتدل متوازن , والقتل خرق لقاعدة الإصلاح وفساد لقضية الإيمان وإفساد لمفاهيم الدين .
هل يعني أن الها يطلب من البشر أن يتخذ طريقا سليما لسبق معرفته به وضمانا لأمنه وسلامته يعتبر تعديا على قرار الخيار بالاختيار وجرحا في الحق الإنساني الوجودي ؟,نعم إذا كان ذلك بالسيف فأنا كفرد سوف أختار طريق المعاندة لأن من حقي أن أكتشف وأمتلك تجربتي وأكون مسئولا عن قراري ,لكن حين لا يكون مع المرشد الداع سوى كلمة وأمل بالجمال سيكون من المنطق العقلي أن أخوض التجربة بالمغامرة الإيجابية وليس بالمقامرة , إلى هنا يبدو منطق الهداية جيد ,بالعودة للدين هل هناك قضية أخرى غير هذا (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة ولموعظة الحسنة) ولا تزر وازرة وزر أخرى , وربك أعلم بما في الصدور ,التجربة هنا مغامرة محمودة العواقب أدع إلى سبيل ربك .
مقالات اخرى للكاتب