منذ اكتشاف الثروات والكنوز التاريخية في بلاد الرافدين والبعثات الاثارية من الدول الاستعمارية تطرق ابواب الزقورات والكهوف والجبال والبراري والمعابد لتفحص وتنقب في المواقع الاثرية وتعثر على اللقى والتماثيل الثمينة فتستحوذ عليها وتنقلها الى متاحف بلدانها .
استقرت مسلة حمورابي في متحف اللوفر بباريس ، قدموا للعراق بدلا منها نسخة من الجبس ، بوابة بابل في المانيا ، تماثيل الثور المجنح في المتحف البريطاني، وغير ذلك ما لا يعد ولا يحصى من الاثار تتوزع في متاحف العالم ، واغلب تلك الاثار وصلت اليهم عن طريق الاستيلاء غير المشروع او السرقة او البيع الحرام الذي يتم في مزادات عالمية معروفة ، منها تمثال صغير طوله 7 سم من بلاد الرافدين بيع قبل بضعة اعوام في امريكا بملايين الدولارات .
وفي الوقت الذي يحرص فيه الناس والدول على الاحتفاظ باثارهم وكنوزهم وممتلكاتهم ، كما حدث مؤخرا لتركيا التي نقلت رفاة احد اسلافها من سوريا الى تركيا بالقوة خشية تعرض رفاته الى الاعتداء ، نرى ان العراق لا يعير اهتماما للاحتفاظ باثاره وكنوزه ، ولا ادل على ذلك ما تحدث به السفير البريطاني الذي اراد نقل بعض التماثيل من الموصل في اربعينيات القرن الماضي ، ولكونها تماثيل كبيره – مثل الثور المجنح – سأل احد شيوخ الموصل المتنفذين ان كان يسمح له بنقل تلك التماثيل الموجودة خارج المدينة ، يقول السفير البريطاني فاجأني الشيخ بقوله نعم خذها وخلصنا من هذه الاحجار ، وارسل معي مجموعة من الرجال للمساعدة في رفعها وتحميلها لنقلها الى بغداد ثم البصرة ومنها الى لندن .
ومن اشهر البعثات الاثارية التي عملت في العراق البعثة التي كانت من بين اعضائها الكاتبة البريطانية الشهيرة اجاثا كريستي مع زوجها الاثاري البريطاني ماكس مالوان ، عاشت معه في العراق وسورية وكتبت روايتها الشهيرة جريمة في قطار الشرق السريع .
لقد امعن الكثير من العراقيين سواء في مراكز المسؤولية او من عامة الناس ، في التفريط بالاثار التي تنتشر في البلاد ، فالكثير منها سرق وبيع في الاسواق السوداء ، والاف القطع الاثرية الثمينة تهشمت بسبب البحث عن الذهب والفضة في المواقع الاثرية ، وكانت الفخاريات والتحف الاثرية تتهشم تحت ضربات الفؤوس والات الحفر الميكانيكية التي لا ترحم ، والتي تقوم بها عصابات متخصصة في سرقة الاثار وتهريبها ، حتى ان احد كبار رجال السلطة الصدامية كان يتاجر بالاثار ايام الحصار .
ان النظرة الاسلامية الى الاوثان ، والتفسير الجاهل للاصنام ، جعل من الفقهاء الاميين اعداء للفن والتراث والاثار ، عدوّا كل قطعة فنية او منحوته او صورة جريمة تنهى عن ذكر الله ، في مفهوم خاطئ لمعرفة لله سبحانه وتعالي ، فتصوروا الله حسب عقولهم الصغيرة ولم يدركوا عظمة الخالق الذي لا يمكن ان يكون عدوا للفن والجمال الذي هو اهم عنصر من عناصر الطبيعة والحياة .
ان الجريمة التي التي حدثت في متحف الموصل ، وعملية تهشيم التماثيل التاريخية ، تضع العراقيين والمؤسسات الدولية ، امام مسؤولية جسيمة ، تتمثل اولا في ادانة اي عمل تخريبي تقوم به العصابات المنفلتة ضد تاريخ العراق ، وتاريخ شعوب بلاد الرافدين وحضاراته المتعددة المشارب والروافد ، ومن ثم الوقوف بوجه كل من يساند تلك العصابات ومحاسبة الجهات التي تدعم تلك العصابات حسابا عسيرا ، ومحاولة مساعدة العراق شعبا وحكومة ، وجيشا وقوى سياسية وعسكرية لاخذ زمام المبادرة في هزيمة الارهاب الذي كشف عن وجهه البشع ، وتصميمه على مسح وتخريب تاريخ الشعوب التي عاشت منذ اقدم الازمنة في بلاد الرافدين .
مقالات اخرى للكاتب