ايها الرجل الحكيم:

انت دخلت باب الحكمة حراً مختاراً، من غير فرض ولا اجبار.

هذا يعني انك اخترت الطريق بمحض ارادتك، وتحاول ان تسير في الدرب، عسى ان تدرك الهدف.

انك من دون ادنى شك تطمح في ان تكون حكيماً، وتقف جنباً الى جنب مع ارباب الحكمة، وهذا فعل رائع تحمد عليه اولاً واخيراً.

اعلم اذن انك ولجت درباً صعباً، ليس من السهولة ان تدرك الهدف، كما انه ليس بالامر اليسير ان تنجو من السدود والمعوقات.

لا يذهب بك الظن اني اذهب مذهباً مادياً في قولي هذا، فتتصور اني اقصد بالاسوار والسدود، ما يعترضك من صخور واحجار.

ليس هذا قصدي ولا نويت ان اذهب في هذا الاتجاه ابداً.

ان ما ما اوليه اهتمامك والحذر منه هو الانسان ليس غير.

اعلم انك ما ان تبدي رأياً، او تقدم نظرية جديدة، او تخالف نظرية قديمة، حتى ترى الاقلام تشرع السنتها ضدك، وربما تلاقي من العنت والهجوم الشيء الكثير.

ان العامة سوف يهاجمونك اذا ما شعروا انك تمس قيمة من قيمهم وان ارباب الحرفة يهاجمونك اذا ما خالفتهم في الرأي او تفوقت عليهم، وان هجوم ارباب الحرفة اشد وقعاً ومضضاً من هجوم العامة، لانهم ارباب فكر ومعرفة. هنا يأتي دورك لتتخذ الموقف الاسلم في ارضاء أولئك ومحاورة هؤلاء.عليك بالطريق السليم، في تتبع رؤى العقل، وتسند جدالك على اسس منطقية قويمة، لا يدخل اليها الضعف من أي جانب من الجوانب.لا شك ان موقفك صعب، وربما لا يفيد فيه حوار ولا تنفع معه حجة، لان كل انسان له رأيه الخاص به، فكيف بالحكيم الذي يتعصب لنظرية فلسفية معينة ليس غير.

انت مؤمن بما تقوله وتظهر به، ستكون منتصراً وتحيا سعيداً، مهما ضاقت بك الارجاء واحاط بك الاعداء.

هنا تستطيع ان تثبت قوة شخصيتك بالصبر والتسامح والنظر الى مستقبل الايام، حين يظهر صواب رأيك.

اعتقد انك لست بحاجة ان احذرك من رذيلة الحقد على كل احد، سواء أكان حكيماً ام من عامة الناس.

انك بالحقد تنصر اعداءك عليك، بل اشد من هذا سوء، انك تنصر عوامل السوء على عوامل الخير في نفسك، وهذا لا يصيب في صالحك، بل انه يسبب لك الاذى العاجل وربما المرض الآجل.

كن مسامحا اذن، تجد نفسك كبيراً، وكلما بثثت روح التسامح والصبر والعفو في نفسك، زدت ايماناً بحقيقة وجودك.

انك بالتسامح تربح نفسك، وبالحقد تنصر اعداءك عليك، من حيث يعلمون او لا يعلمون.ليس من طبيعة الاشياء ان يحقد الحكيم، ولا سيما فان هدف الحكيم خير الانسانية وتحقيق السعادة للناس، وان كل اختلاف تظهر حقائقه امام الملأ بعد فترة من الزمن، او ان التاريخ كفيل باظهار الحقيقة وان طـــال الزمن.