مقدمة
تعد ظاهرة الارهاب احدى أكبر المشاكل التي تعانيها الدول العربية اليوم ، وقد ساعد على تفاقمها في الدول العربية جملة من عوامل داخلية بالإضافة الى عوامل خارجية وشبكات ومصالح دولية مختلفة شكلت تهديدا قائما ومستمرا” للدول العربية . لذلك سعت الدول العربية منفردة ومجتمعة للتصدي لهذه الظاهرة من خلال القواعد القانونية والتشريعات وذلك كون الاعمال الارهابية تمثل جرائم خطرة يجب مواجهتها من خلال القانون الجنائي ، ولما كانت هذه الاداة لا تقوى بمفردها على ايجاد حل كلي للمشكلة ، لذلك حاولت الدول العربية التعاون فيما بينها للتصدي لظاهرة الارهاب التي هددت الامن والاستقرار ليس في الدول والمجتمعات العربية ، انما امتد اوارها الى بقية دول ومجتمعات العالم .
التخطيط لمكافحة الارهاب
ان الحديث عن مكافحة الارهاب لا يعني القضاء على الارهاب قضاء مبرما وبصورة كاملة بحيث لا يبقى منه أي اثر اذ ان مثل هذا القول لا يعدو ان يكون فرضا نظريا بحتا او املا على قدر كبير من التفاؤل ، وحل مشكلة الارهاب ومكافحته يعنيان تحجيم وتقليل الخطر الارهابي وجعله في حدود دنيا لا يشكل معها تهديدا للمجتمع واستقراره . ولما كان معنى او مفهوم مكافحة او مواجهة او منع الارهاب لم يتم الاتفاق عليها او على تعريف محدد لها حتى الان ، فقد انعكس هذا الامر ايضا” على الاختلاف وعدم الاتفاق على سبل المواجهة و على آلياتها او خطواتها او على استراتيجيتها وتكتيكاتها وهذا يعد من اهم معوقات التعاون العربي والدولي لمكافحة الارهاب .الا أنه من المهم أن ندرك أن التعامل مع ظاهرة الارهاب يتطلب ما يلي:
1. تشخيص الظاهرة ومحاولة تحديد حجمها ومواردها ومصادرها واساليبها وتسليحها وعناصرها وتحويلها واهدافها والادراك الواعي لأبعادها الحقيقية والاحاطة بكل ملامحها بدقة حتى لا تكون استراتيجية المكافحة مجرد قفز في الظلام .
2. التخطيط : اذ بعد تشخيص الظاهرة يتم وضع الخطط المناسبة للتصدي لها والتي يجب ان تكون خططا استراتيجية طويلة الامد تتضمن اهدافا محددة واساليب وقائية واخرى رادعة ثم خططا متوسطة الاجل وخططا حالية وخطط عمليات للطوارئ للتعامل مع الظــــاهرة.
3. التنبؤ : أي تخطيط استراتيجي ينبني على التوقع والتحليل السليم لقدرات التنظيمات الارهابية ووسائلها من اجل التحوط لها بإجراءات التأمين وعمليات المواجهة .
4. الممارسة : والتي لابد ان تتوافق مع الخطط الموضوعة توافقا دقيقا فلا يجوز الاعتماد على التصرفات الفورية التي قد تؤدي الى حلقة شريرة للعنف والعنف المضاد وتسود الفوضى.
لاشك ان هذه الاجراءات تتطلب المعلومات الاستخبارية الدقيقة واللازمة والكافية والتي لا يتم الحصول عليها الا من خلال تفعيل آليات البحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات وكل وسائل وآليات العمل الاستخباري الاخرى .
التعاون العربي لمكافحة الارهاب
في عام 1983 بدأت الجهود العربية المشتركة لمكافحة الارهاب بالتوصل الى الاستراتيجية الامنية العربية التي اقرها مجلس وزراء الداخلية العرب والتي نصت على ضرورة الحفاظ على امن الوطن العربي وحمايته من المحاولات العدوانية للإرهاب والتخريب الموجهة من الداخل والخارج . وفي اطار الخطة الامنية العربية الاولى تشكلت لجنة الجرائم المنظمة التي تناولت في اجتماعها الاول موضوع جرائم الارهاب . وبناء على توصيات اللجنة التي عرضت على مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته السادسة بتاريخ 12/12/1987 اصدر قرارا يقضي بتكليف الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بإعداد مشروع استراتيجية عربية لمكافحة الارهاب بالتنسيق مع الامانة العامة لجامعة الدول العربية . وفي مطلع 1988 اصدر مجلس وزراء الداخلية العرب قرارا ينص على تشكيل لجنة من ممثلي الدول العربية على مستوى الخبراء وبمشاركة الامانة العامة لجامعة الدول العربية ، وامانة مجلس وزراء الداخلية العرب لوضع تصور عربي لكيفية مواجهة ظاهرة الارهاب . وبقي العمل العربي لمكافحة الارهاب مقتصرا” على الاتفاقيات الثنائية أو الاتفاقيات ذات البعد الجغرافي بين الدول العربية المتقاربة جغرافيا”، حتى عام 1996 حيث عقدت اجتماعات لجنة العمل العربي المعنية بإعادة صياغة مشروع الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب بحضور وفود 15 دولة عربية من الدول الاعضاء بمجلس وزراء الداخلية العرب بالقاهرة ، وتم خلال الاجتماع اقرار الصيغة النهائية التي تم اقرارها لاحقا” في الدورة الرابعة عشر لمجلس وزراء الداخلية العرب في 5/1/1997 . الا أن اقرار الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب لم يتم الا في اجتماعات الدورة الـ15 لمؤتمر وزراء الداخلية العرب في 5 يناير 1998 ? حيث تم وضع عدد من الآليات لتنفيذ هذه الاستراتيجية لمواجهة الارهاب.
اتفاق عربي
واكد مشروع الاتفاق العربي لمنع مظاهر التطرف والارهاب ان الكفاح المشروع ضد الاحتلال لا يعد من الجرائم الارهابية ، ولا يعتبر المشروع الذي يتضمن 46 مادة حالات الكفاح المشروع ضد الاحتلال الاجنبي من اجل التحرر وتقرير المصير من الجرائم الارهابية وفقا لمبادئ القانون الدولي ، ويعتبر هذا الموقف تشريعا للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي ، وفي وجه المساعي الامريكية والاسرائيلية بشكل خاص التي تعتبر أي نوع من العمليات العسكرية في مواجهة اسرائيل اعمالا ارهابية . ويعرف المشروع الارهاب : ( بانه كل فعل أيا كانت اغراضه النهائية استهدف استخدام القوة او العنف او التهديد او الترويع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي او جماعي بهدف القاء الرعب بين الناس ) .
الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب
تضمن مشروع الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب عددا من المنطلقات والاهداف والمقومات والاليات التي تحدد الاسس التي تقوم عليها سياسة مكافحة الارهاب والسبل الكفيلة بتحقيق اقصى قدر من التعاون على الصعيد العربي والدولي لتطويق هذه الظاهرة والحد من الاخطار التي تشكـــلها على الدول المختلفة. وقد خرجت الاستراتيجية بمفهومها الحديث والشامل عن الارهاب ، واعتبرت ان الاعمال الارهابية هي اعمال عنف منظم يسبب رعبا وفزعا ، على ان يكون واضحا – كما اشارت – انه بعيد كل البعد عن الكفاح المسلح والذي هو حق للشعوب الخاضعة للاحتلال الاجنبي من اجل تحرير اراضيها المحتلة والحصول على حقها في تقرير مصيرها واستقلالها وفقا لميثاق وقرارات الامم المتحدة ، وقد حددت الاستراتيجية فيما يتعلق بالسياسة الوطنية لكل دولة عدة اجراءات وتدابير للوقاية من الارهاب يبرز في مقدمتها زيادة دعم الدولة للأسرة بما يكفل التربية السليمة للنشء والشباب ، وتكثيف استخدام وسائل الاعلام المختلفة لتنمية الوعي الوطني والقومي ، وان الدول ملتزمة باتخاذ تدابير فعالة وحازمة لمكافحة الارهاب بمختلف صوره واشكاله ، وذلك من خلال الحيلولة دون اتخاذ اراضيها مسرحا لتخطيط وتنظيم او تنفيذ اعمال ارهابية ، كما اكدت الاستراتيجية على ضرورة قيام الدول العربية بتشديد اجراءات المراقبة لمنع تسلل عناصر الارهاب والتخريب او تهريب الذخيرة والمتفجرات ، وتطالب الدول الاعضاء بضرورة تحديث قوانينها وتشريعاتها الجنائية لتشديد العقوبات على مرتكبي الاعمال الارهابية ، وتجميد ومصادرة كافة الاموال الموجهة الى هذه الاعمال كما تطرقت الاستراتيجية الى موضوع تحديث وتطوير اجهزة الامن من خلال دعمها بالمؤهلين وتوفير ما تحتاجه من معدات وتقنيات حديثة ، وكذلك وضع خطط وقائية لمنع أي عمل ارهابي ، كما لم تغفل الاستراتيجية جانب البحث العلمي الذي يتناول دراسة وتحليل ما يقع من اعمال ارهابية ومتابعة التطور المحلي والعالمي للظاهرة ، ويتحقق ذلك من خلال تحديد واجبات الاجهزة المعنية بمكافحة الارهاب بشكل دقيق واقامة تعاون فعال بين تلك الاجهزة وفيما بينها وبين المواطنين . وعلى صعيد التعاون العربي فقد تضمنت الاستراتيجية عدة بنود اهمها تعزيز التعاون بين الدول الاعضاء لمنع ومكافحة الارهاب وتقديم المساعدة المتبادلة في مجال اجراءات البحث الجنائي والتحري والقبض على الاشخاص الخارجين والمتهمين او المحكوم عليهم في جرائم الارهاب ، كما اكدت الاستراتيجية على اهمية تبادل الخبرات والخبراء والتقنيات الحديثة والمعلومات في مجال التعامل الامني مع الجماعات الارهابية ومواجهتها وتختص الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بمتابعة مستجدات ظاهرة الارهاب وسبل مكافحتها والتنسيق بين الدول العربية بهذا الشأن .
معاضل مكافحة الارهاب
على الرغم مما تم انجازه في اطار التعاون العربي لمكافحة الارهاب ، فانه ما لم يتم ايجاد آليات لرصد وضمان التنفيذ سيظل اثر هذه الاجراءات هامشيا ، ومن ثم فمن الواجب لفت الانتباه الى وجود عدة معاضل رئيسية ينبغي التغلب عليها بداية لتفعيل التعاون العربي لمكافحة الارهاب ومن اهمها :
تعتبر مشكلة تعريف مفهوم الارهاب اهم المشكلات التي تقف عقبة وحائلا دون تحقيق حد ادنى من التعاون العربي الجاد لمكافحة الارهاب .
لا تزال هناك خلافات بين الدول العربية بشأن سبل ووسائل مكافحة الارهاب ومعالجة اسبابه خاصة فيما يتعلق بالعوامل الاساسية مثل العوامل الاجتماعية – والاقتصادية للظاهرة ، وحول اسلوب التعامل مع التنظيمات المتطرفة والعناصر الارهابية .
اختلاف القوانين في الدول العربية والتي قد تجعل من تسليم الارهابيين مثلا امرا صعبا او تمنع تبادل المعلومات لأسباب تتعلق بالأمن القومي والسيادة الوطنية .
الخلافات العربية في مجالات التعاون الاعلامي .
تباين الارادة السياسية للدول العربية مما يؤدي الى اختلاف وجهات النظر حول معالجة ظاهرة الارهاب .
الخاتمة
خلاصة القول ان التعاون العربي لمكافحة ظاهرة الارهاب والتطرف في الوطن العربي لم يتمكن حتى الان من الارتقاء الى مستوى التحديات الامنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكلها ظاهرة الارهاب والتطرف التي تجتاح المنطقة العربية منذ عدة سنوات مما يجعل المنطقة مرشحة لمزيد من التدخلات الاجنبية بحجة مكافحة الارهاب .
مقالات اخرى للكاتب