معظم القوى العراقية المشاركة في العملية السياسية متفقة، وأعلنت أكثر من مرة ، رفضها وجود أي نشاط للميليشيات ، مشددة على حصر السلاح بيد الدولة ، وهذا المفهوم خضع هو الآخر لتفسيرات متباينة واصبح موضع جدل وسجال بين الأطراف المشاركة في الحكومة ، فبعضها اتهم الأجهزة الأمنية بتوفير الغطاء للميليشيات بممارسة نشاطها ، وفي ظل ما تردد مؤخرا عن حصول عمليات اختطاف طالت شباباً من سكنة أحياء العامرية والغزالية والجامعة بجانب الكرخ ، قام نائب رئيس الوزراء صالح المطلك بجولة ميدانية في تلك الأحياء، والتقى بشكل مباشر بالمواطنين للتأكد من صحة ما يقال ، ثم أصدر بيانا طالب فيه الأجهزة الأمنية بملاحقة المجاميع التي تهدد امن المواطنين .
كتلة الحوار الوطني البرلمانية بزعامة المطلك هي الأخرى ، دعت وعلى لسان احد أعضائها في لقاء متلفز نواب القائمة العراقية ، إلى التواجد مع عناصر حماياتهم في أحياء العاصمة التي شهدت نشاطا ميليشاويا لحماية الشباب من الاختطاف ، وتأمين وصول الطلبة الجامعيين إلى كلياتهم لأداء امتحاناتهم ، ودعوة جبهة المطلك ، اقتصرت على أعضاء القائمة العراقية ، بوصفها تمثل احد المكونات الاجتماعية، وأحد أعضاء القائمة العراقية المقيمين في العاصمة عمان قلل ، بلقاء مع احدى الفضائيات من أهميتها ووصفها بأنها فنطازية ، مطالبا بأن 325 نائبا عليهم أن يثبتوا بالأعمال وليس بالأقوال والتصريحات، انهم ضد أي نشاط للخارجين على القانون .
ما ورد في حديث النائب المقيم في عمان مستمتعا بعطلته التشريعية ، كغيره من ممثلي الشعب ، في الاستعانة بجهود النواب في حفظ الأمن ، هو الآخر ضرب من الخيال ، لأن أكثر البرلمانيين يقيمون في المنطقة الخضراء ، وليس من المعقول ان ، يتوجه رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون خالد العطية إلى اطراف أحياء منطقة أبي غريب مع عناصر حمايته ، وحنان الفتلاوي إلى العامرية ، ومحمود الحسن إلى الغزالية ، وحيدر الملا إلى مدينة الصدر ، وعالية نصيف إلى اليوسفية ، وجمال البطيخ إلى الأعظمية ، ليقوموا بمراقبة الشارع ثم رفع تقاريرهم إلى رئاسة البرلمان حول نشاط الميليشيات ، فكرة النائب تشير بوضوح إلى ان يتوجه النواب السنة إلى الأحياء الشيعية ، وبالعكس ، وهو يعلم قبل غيره ان فكرته مستحيلة ، وتندرج في اطار اللامعقول ، وطيلة السنوات الماضية ما تحقق تجاه ملاحقة الميليشيات لا يتعدى تشتيت حروفها "مي ليش يات " .
نشاط الميليشيات بصرف عن النظر عن وجوده من عدمه ، اصبح صفحة جديدة في ملف الأزمة السياسية ، خطورتها تكمن في العزف على الوتر الطائفي وتهديد السلم الأهلي ، في ظل غياب الرغبة في تحقيق اتفاق على معالجة جدية لإنقاذ البلاد من الانحدار نحو مصير مجهول ، ويرافق ذلك تراجع الوضع الأمني ، وتجاهل الدعوات لعقد اجتماع عاجل يجعل السياسيين رجال إطفاء لحرائق كانوا السبب المباشر في إشعال فتيلها، ووفروا للميليشيات البيئة المناسبة لإمكانية ممارسة نشاطها.
مقالات اخرى للكاتب