في مشهد عفوي،أعتقد انه في احد المطارات العالمية،يظهر فيه مسافرون ينتظرون طائرة ما، قطارا ربما يفتح أحدهم مذياعا،مسجِّلا للصوت وتنبعث أغنية هي رقصة زوربا اليونلاني في الفيلم الشهير الذي شاهدناه يوما ما، يبدأ أحدهم بالرقص ويأتي ثان وثالث ويصيرون سبعة ثم عشرة فعشرين فخمسين وبعد لحظات يرقص كل من في ساحة المطار،يشكلون حلقة كبيرة،وفجأة صار الكل يرقص يستمرون بالرقص دقائق طويلة يستمتع الجميع فيه بصوت الموسيقى يتنفسون النغم والحركات والعناق،لم يأتوا من ناحية واحدة ،ولم يوحدهم دين ما ولم تجمعهم طائفة ولا نسب ولا حسب لكنهم لبوا نداء الموسيقى وحاجة الجسد للإنعتاق والحرية،في مشهد لا يصدق من المحبة والود والألفة،كانت الموسيقى موحدة لهم،كانوا بلا دين ربما،ولا طائفة ايضاً .وحدهم العظيم زوربا .
إلى جانب ذلك تطالعنا في شبكة الفيسبوك عشرات البوستات التي تتحدث عن رفضها وتنكرها وبراءتها من كل ما يحدث على الساحة العراقية،وبينهم من يهرب وينأى بنفسه خارج الأزمات تجاه قضايا تبدو سخيفة في تناولها السطحي الاستعراضي أو بعيدة عن إيجاد الحلول،وهل يملك هؤلاء حلولا؟ هناك أحاديث في الفن والشعر والموسيقى والتهكم أيضا ًيقع بمحاذاته مقت وبغضاء للدين بكل طوائفه،بل ذهب البعض من الزملاء لإعلان البراءة الكلية من الطوائف التي ينتمون اليها،مؤسسين بذلك ردة عن ما كانوا يعتقدون ويؤمنون،هل أصبح الدين عائقا للحياة والعيش بسلام وطمأنينة ،هل أخذ هؤلاء القتلة من كلا الطائفتين الدين بعيداً عن مقاصده الأولى،التي منها الحب والتسامح واللطف والرأفة،سيقول لي أحدهم متى كانت الأديان للتسامح والعيش الآمن والسلام،وهو يشير إلى تأريخ الحروب والفتوحات وسيوف الطوائف التي عملت في رقاب الأقربين.ولا أجد جوابا له.
وسط كل ما يحدث في العراق من ازمات وتوقعات بانفجار الوضع إلى اعلى مرتبة،وسط الترقب والتوجس من شر ما سيقع ثمة أمل لا يقل أهمية عن ذلك كله،وكما نرى المعادلة بطرفيها المعلنين (المتظاهرون المتشددون في الرمادي والحكومة غير القادرة على استيعاب مطالب هؤلاء) ثم تضخم الطرف الأول فأصبح قائمة طلبات وتضاعف كثرأ إلى طائفة تشعر بالطرد من المشهد السياسي-الاجتماعي والإقصاء من الخريطة الحاكمة في بغداد،بالمقابل تجاوز التغاضي حدوده الحكومية إلى ما هو خوف شعبي من عودة النظام البعثي وتكرار مأساة الـ 40 سنة الماضية بين هذين التصورين يقف نفر من ابناء الشعب العراقي غير موالين لهذا وذاك بل ورافضين لتصورات كلا الطرفين،نفر لا ينتمي لقبيلة أو لطائفة ما ولا يدين بدين احد،ولا يتحزب بحزب ،نفر كثير لكنه غير قوي،لأنه لا يملك نفوذا.
قد لا يشكل المتشددون بما فيهم الذين يمسكون بمقود القرار من كلا الطائفتين اكثر من 25% من السكان في أعلى تقدير،وهؤلاء قد يظنون بان الحرب والتقسيم لا محالة واقع ذلك لأنهم يعتقدون بأن ديمومة مجموع مصالحهم إنما يكمن في الحلين هذين وهم بالنتيجة لا يشكلون سوى ربع السكان ترى أين يقع السواد الأعظم من الناس في المعادلة غير المتكافئة هذه؟ وما هو دورهم في المرحلة الخطيرة التي إن اندلعت شرارتها ستأتي على البلاد والعباد.في يقين الجميع أن الحل يكمن في تنظيم الصوت الأكثر شعبية ،في تعبئة الـ 75% من السكان للوقوف بوجهة دعاة الحرب والتقسيم،نحن بحاجة لراية حقيقية شريفة لا سوداء ولا بيضاء ولا دين لها ولا تنتمي لطائفة من طوائف العراقيين، راية بلا مرجعيات دينية،ولا عشيرة لها،لا تمسكها يد اجنبية هي راية الفقراء الطامعين بغد أفضل.راية نرفعها اليوم وليس الغد تعيد لنا شعورنا العراقي الذي أفسده علينا هؤلاء.
راية نهتف تحتها :أيها المتدينون،العقائديون،الطائفيون،يا شيوخ العشائر ويا رجال الدين،انتم الذين في المدن وأنتم الذين على أطراف الصحراء نحن منكم براء،لم يعد دينكم يصلح لنا،سنبتكر (دينا) لا يحرض على القتل،سننتمي لقبيلة لا تدفع بأبنائها للقتل قد نرقص،وقد نُجَن،وقد نموت عشقا لكننا لن نتحارب، لن يقتل احدنا الآخر ديننا الجديد يرفض كل انواع القتل التي علمتمونا .تبا وتعسا وسحقا لكم.
مقالات اخرى للكاتب