بعد الانتخابات العراقية صرح نوري المالكي بأن من لم ينتخب لا يحق له محاسبتنا، أي محاسبة النواب والحكومة، وهو كلام دال على جهله بالسياسة أو نزعته التسلطية.
التصويت في الانتخابات حق مكفول لكافة المواطنين الراشدين في النظام الديمقراطي الليبرالي ، وفي الديمقراطيات الأوروبية العريقة باستثناء بلجيكا التصويت في الانتخابات اختياري لا قسري، ومن المثير للإهتمام أن غالبية دول أمريكا الجنوبية واللاتينية تفرض على مواطنيها الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وهي كلها ديمقراطيات حديثة نسبياً، ولم تستقر نظمها السياسية إلا مؤخراً، كما تطبق هذه القاعدة الشاذة في الديمقراطيات الهزيلة أو أشباه الديمقراطيات مثل مصر والكونغو ولبنان وسنغافورة.
مسائلة المواطنين للحكومة ونوابهم حق آخر في النظام البرلماني، وهو غير مرتبط بالضرورة بحق التصويت، ويمارس المواطن هذا الحق بصورة مباشرة، من خلال الرسائل والاعتصامات والمظاهرات، كما يفترض تولي وسائل الإعلام التعبير عن تقييمه ومواقفه من الحكومة والنواب.
ومن مباديء النظم الديمقراطية الليبرالية أن الشعب هو مصدر السلطات، وهي من بديهيات السياسة، ولا يحتاج أحدنا لشهادة دكتوراة أو حتى شهادة جامعية أولى لمعرفتها، بل وكثير من عامة الناس من غير المتعلمين يدركونها ويتحدثون بها.
ولو قرأ المالكي دستور العراق، وعلى وجه التحديد المادة الخامسة منه لوجد بأن (الشعب مصدر السلطات وشرعيتها)، والشعب هنا هو كل المواطنين، ولا نجد في هذا الدستور أو غيره بأن مصدر السلطات هم أولئك المشاركين في العملية الانتخابية فقط، وما دام كل الشعب هو مصدر السلطات فلكل أفراد هؤلاء الشعب الحق في محاسبة المفوض إليهم ممارسة هذه السلطات بصورة مؤقتة.
تصريح المالكي بأن المصوتين فقط لهم حق محاسبة الحكومة والنواب مخالف للمبدأ القائل بأن مصدر السلطات هو الشعب، وبالتالي مناقض لدستور العراق، وهو يعد حرماناً لفئة كبيرة من أفراد الشعب العراقي من حق مسائلة الحكومة والنواب، وإسقاط لحق كفله لهم الدستور والممارسات الديمقراطية الليبرالية.
لكل هذه الأسباب استنتج بأن المالكي أما غير ملم بمباديء السياسة ولا يفقه مواد الدستور العراقي، أو يبحث عن ذرائع مختلقة ليبرر استمرار رفضه للمسائلة من قبل الشعب ونوابه، والطغاة وحدهم يضعون أنفسهم فوق المسائلة والمحاسبة الشعبية.
( للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
مقالات اخرى للكاتب
