الدعوة للتحلي بالقيم والفضائل واجبة، والأفضل منها استنكار ظلم وفساد الحاكمين، وقمة الإخلاص للقيم اقتحام الأخطار في سبيلها، والإمام الحسين الشهيد لم يكتفي بالوعظ والتصدي للحاكم الظالم وأعوانه بل سعى إلى تغيير الواقع الفاسد وإصلاح ما أفسده المفسدون.
لا يكون المرء حسينياً بالمودة فقط، والحزن والدموع غير كافية، وحتى لو جئت من أقصى الأرض تسعى لزيارته، الإمام الحسين عليه السلام تجسيد للقيم الإسلامية، وعلى رأسها الإصلاح والعدل ومقارعة الظالمين، والحسيني هو من يقتدي بالحسين قولاً وعملاً، ويطبق القيم والمبادئ التي ضحى بنفسه من أجلها.
من الحسين الشهيد نستمد الاختبار الدقيق للحسيني ونجده في بيت الشعر التالي الذي كان يرتجز به يوم عاشوراء قبيل استشهاده:
الموت أولى من ركوب العار*** والعار أولى من دخول النار
كل البدائل في ثلاثية الموت والعار والنار شاقة، إذ ليس هنالك أثمن من الحياة وأدهى من الموت، ولكن قد يسارع المرء للموت دفاعاً عن شرفه، ويتمنى الموت خلاصاً من عار دنس سمعته، والعذاب في النار أسوء نهاية لرحلة الحياة المريرة القصيرة.
الاختيار الصائب بين الثلاثية هو جوهر الاختبار الحسيني الدقيق، فمن ينجح في الاختبار يكون حسينياً، ومن يفشل لا يكون.
قال لي: استدعوني للخدمة في الجيش، الزمن أول الثمانينات، والحرب التي شنها النظام البعثي البائد على إيران مستعرة، كان وجلاً ومضطرباً، سألته إن كان أمامه بديل غير الخدمة في الجيش، أجابني: وعدني البعض بتدبير سفري سراً إلى خارج العراق فرفضت، أخشى أن يتهمني الناس بالجبن، اختار البقاء.
في هذه الحالة كان الاختيار المباشر بين الهروب من الخدمة العسكرية (العار في المنظور القبلي) والقتال في صفوف الجيش العراقي، والعراقيون في تلك الحرب معتدون وباغون، وقد توعد الله قاتل المؤمن عن عمد بأشد العذاب (النار)، فيكون قد اختار النار الأبدية على العار الدنيوية، ولا بد من التذكير بأن مع النار يأتي الخزي أي الذل والعار في الأخرة أيضاً، إذ قال عز وجل: (رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران:192]، ففي المحصلة يكون الهارب من الوصمة بالجبن في المنظور القبلي المتخلف مستحقاً لغضب الله وعقاب النار والخزي والعار في الأخرة، فبئس الاختيار إن كان مؤمناً.
كثيرون يدعون بأنهم حسينيون، ولكنهم فشلوا في الاختبار الحسيني، وأقرب الأمثلة للذاكرة أولئك الضباط والجنود الذين تركوا أسلحتهم وفروا أمام الإرهابيين التكفيريين، ونتيجة جبنهم وتخاذلهم فتك الإرهابيون بالمدنيين العزل وسبوا النساء ونهبوا الممتلكات، وكل الظالمين والفاسدين والمرتشين من الحكام وأعوانهم فاشلون في الاختبار الحسيني، وليس بأفضل منهم القبليون الذين يتبعون أعرافهم القبلية ويتعصبون لإخوانهم الظالمين خلافاً لشرع الله.
قبل أن تدعي بأنك حسيني اختبر نفسك، مع دعواتي لك بالنجاح.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
مقالات اخرى للكاتب