رغم علاقته القوية بالشيطان لكنه في ليلة ما اختار التوبة الى الله وفك عرى تلك العلاقة والعودة الى جادة الصواب لينجو من عذاب الله الذي يراوده في اليقظة وفي الأحلام ، لقد كانت الليلة الفاصلة عنده بين هذا وذاك ، حين رأى في المنام الشيطان وهو يسأل خازن النار لمَ لا أرى معي في النار أصحاب كانوا لا يعصون لي أمراً ، أغويتهم فمارسوا كل أنواع الفســـاد ؟ فرد عليه الخازن مالك : هم من الذين تابوا الى الله توبة نصوحة وما بقي عليهم من شيء بذمتهم من حرام فبدّل الله سيئاتهم حسنات ولم يكن لك عليهم بعد عفو الله من سلطان ، فأُدخلوا في جنات النعيم يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير ، تجري من تحتهم الأنهار ويشربون من ماء غير آسن ولبن وعسل مصفى وخمرٍ لذّة للشاربين ، يُطافُ عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلّذ الأعين ، أما أنت يا إبليس ومن معك فذوقوا عذابَ الخُلد تُصلون ناراً كلما نضجت جلودكم بدّلها الله بجلود غيرها ، هذا جزاؤكم بما كسبت أيديكم فذوقوا عذاب الحريق خالدين فيها لا يخفف عنكم العذاب طعامكم فيها من شجرةِ الزقوم ، كالمهلِ يغلي في البطون ، كغلي الحميم ، فما كان منهم إلا أن قالوا ربنا أرجعنا نعمل صالحاً .. ألا لعنةُ الله على الشيطان الرجيم فرد عليم الشيطان شامتاً بهم إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ .. فأسرع الذي ظن أنه فك عراه من الشيطان وقام بإملاء حقائبه بأموال سرقها من العامة والخاصة وخرج بها يحملها ليسلمها للقضاء ويبرأ ذمته من كل سحتٍ حرام ، فما أن وصل الباب عثر في عتبتها .. أفاق فزعاً وصــاح ..هذا فال سيء والمال يبقى في خزائني الشيء الحسن ، فصرخ المال: أنا المال أنا فتنة وأنت بي قد فُتنت مذ سرقتني أحكمت قيودي في خزائن بيتك ، مات ضميرك وحللّت الحرام والظلم والظلام فأصبحت بلا إحساس وعندك كل شيء مباح هتك الأعراض وقتل الإنسان بلا أسباب لمجرد زيادة المال الحرام بالحرام والفساد بالفساد ، آهٍ عندما يموت الضمير ينسى الإنسان إنه في دار فناء وإنه منقول يوماً على آلة الحدباء بقطعة قماش إن حصل عليها إذا ما مات من غير أن يُعرف له جسد أو إسم أو عنوان ، حينها ” يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئــذٍ ببنيه ، وصاحبته وأخيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه ” ، لكن قرار الحاكم العادل يكون قد صدر ” كلّآ إنها لظى ، نزاعة للشوى ، تدعو من أدبر وتولّى ، وجمع فأوعى ” فلا شيء ينجيه حينئذٍ من عذاب السعير.
مقالات اخرى للكاتب