لا توجد حلقة مفقودة, فعالم اليوم لا يحتاج لجهد كبير, الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية كسرت الثلاثية الشهيرة وليس هناك ضرورة لوجود وسيط (يطبع), ويُفترض إلغاء حتى الثنائية لتصبح بغداد (تكتب وتطبع وتقرأ).
قبل سنتين أو أكثر, صاح المصريون "الشعب يريد إسقاط النظام", ونجح الرهان العراقي القائل "بعدم وجود دكتاتورية شمولية تفوق إجرام صدّام". الفضائيات تنقل المشهد ومن قرب قصر الرئيس مبارك, دبابة للجيش المصري كُتب عليها بخطٍ واضح "يسقط مبارك"! وسقط.
رئيس جديد بعد عقود طويلة من حكومات مصرية قامت على شرعية مدّعاة إلى أن صار الحديث جدياً عن التوريث. أكتشفوا خطر البديل على المجتمع المصري وتماسكه, فخرجوا من جديد, وللجيش ذات الحكاية...الشعب خياره الأول والأخير.
العراقيون, طربوا وأُعجبوا بمصر (شعباً وجيشاً), فوقفتهم تعد نقطة حاسمة, لا مجال للتردد, أنه التاريخ بعين المستقبل.
المقبور صدّام, أسسَّ نظاماً شمولياً قمعياً تمرّس على الذل وطمس أي معلم حضاري يؤشر على حرية وكرامة الفرد العراقي. مورست عملية عسكرة واسعة النطاق لأجهزة الدولة وبالمقابل فأن الجيش تحزّب وضاعت المعايير المهنية والإداء الأحترافي. عزائنا أنه سقط, ولا ريب في زوال السلطات لأنها تقوم على فرد إن غاب تلاشّت. سقوط (الصنمية البعثية) شكّلَّ فرصة مناسبة لتتكوّن مؤسسات الدولة وأبرزها العسكرية والأمنية, لكنّ نكهة السلطة وبهرجها لا يقاومه من يفتقر للمشروع...يعود الجيش العراقي والمؤسسة الأمنية لممارسة دورها (الطبيعي) بأهانة الشعب والأستعداد لسحقه إذا ما أراد الرئيس. يبدو إن عملية تدجينه وشخصنته أكتملت, ولعل هذا ما يكشف السبب الحقيقي للخروقات أو الأنفلات الأمني, فعندما يتحوّل العسكر تابعاً لرجل, فلن يهتز لسيول الدماء طالما ضمن سلامة سلطة ذلك الرجل.
من يمتلك الشجاعة على قراءة ما حدث في مصر؟ لا نعني تغيير الأنظمة, إنما طريقة تعامل الجيش مع الحدث والتي أبهرتنا وكدنا نُطرب لمصر مع شعبها. مثّلت تلك الوقفة أنعكاس لدور المؤسسات في الحياة العامة وأهميتها في حماية الشعوب.
كتبنا قبل أكثر من عقدين ونحن من طبع وقرأ, لكنَّ الإرادات الحمقاء تصاب بالذعر عند ذكر مفهوم "المأسسة", هو سر الأختلاف بيننا وبينهم, هم يمتلكون أدوات التفوّق ونحن لا نملك سوى جلودنا المعرّضة للسياط.
مقالات اخرى للكاتب