ليس كعادته المتخاصمة مع الجميع، ظهر رئيس التيار الصدري السيد مقتدى الصدر في بغداد هذه المرة بطريقة هادئة أعطته وقاراً ربما فرضته متطلبات المرحلة الراهنة، ومن عمق المنطقة الخضراء التي طالما هدد بإقتحامها، وحدث فعلاً أن أقتحمها أنصاره. هذه المرة دخل الخضراء ليست كبؤرة فساد واجبة الإستئصال -بحسب ما يعتقده الصدر- إنما زارها بعنوانها وبكل ما تمثله من سلطة الدولة، لاغياً إعتراض أتباعه على مفهوم "شرعية" و "هيبة" الدولة عندما كانوا يرفضونها!..
يغلب على الظن أن الرجل جاء بغداد وإلتقى رئيس الحكومة، بدافع خارجي وليس ذاتياً، ولا نعنى بالخارجي ذلك المرتبط بما وراء الحدود؛ إنما يبدو هناك وساطة أو شروط صلح بين الصدر ورئيس الحكومة كبوابة لعودة الصدر إلى الحياة الطبيعية بعد حركات التظاهر والإحتجاج التي بدا واضحاً أنها صراع سياسي ومصالح تراهن على عاطفة جمهور محدود. ربما يكشف نشاط التحالف الوطني، عند تتبعه منذ فترة ليست وجيزة، الأسباب المباشرة لزيارة الصدر الهادئة للخضراء، ولا يمكن قبول سيناريو ذهاب الصدر دون تنسيق وهذا ما تؤكده مؤشرات المؤتمر الصحفي الذي جمع الصدر بالعبادي، إذ تناول الصدر ثلاث نقاط جعلها خمسة أو أكثر دون تركيز:
الأولى ترتبط بالتسوية، ويبدو أن الصدر دافع بأتجاهها شرط أن يكون عرَّابها أو على الأقل يحقق بعض المكاسب من خلالها، والعبادي مستحسن لهذا الأمر فهو يبحث عن حليف يستقوي به على خصومه في الحزب. الثانية التركيز على مفردة "دعم الجيش العراقي" لجعله خصماً للحشد الشعبي الذي صار قوة رسمية، ويظهر هنا تناغم بين دعوات وزير خارجية المملكة العربية السعودية والسيد مقتدى الصدر في موضوع الحشد.. يذكر أنه كان يسمي الحرس الوطني ب (الحرس الوثني)..!
أخير ما ظهر عن الزيارة، هو الإعتذار الصريح الذي قدمه الصدر لحزب الدعوة عموماً عن أحداث البصرة والناصرية، وبها أيضاً إعترافاً بالوقوف خلف تلك الأحداث التي وصفت باللاقانونية..
حركة الصدر اليوم كانت محاكاة وتقليد أكيد لخطوات رئيس التحالف الوطني (الشيعي) من زيارة شخصيات سياسية، ودور عبادة كالكنائس في أعياد الميلاد. والمعلومات تقول أنّ أصل الزيارة كانت مقررة يوم الأحد ٢٥/١٢/٢٠١٦ وأُجلت لرفض أغلب القيادات السياسية إستقبال الصدر بداعي أزدحام جداول المواعيد، وبعد عمل شاق أقتنع العبادي بالإستقبال وبشرط الإعتذار وهو ما حصل بالفعل.. وهكذا تدجّن المساكين الذين صدّقوا الإدعاءات!
مقالات اخرى للكاتب