دعوة لعلها مثمرة, لكنها في جميع الأحوال معروضة للنقاش ومفتوحة على التعديل والتطوير.
منذ اليوم الأول للتظاهرات كتبت على الفيسبوك نداء لإنتخاب قيادة موحدة للمتظاهرين من الناشطين المعروفين بإنتماءاتهم الوطنية ووعيهم بعوامل نجاح الإنتفاضة والقادرين على تجسيد وتطوير خطابها المطلبي والسياسي.
إن بمقدور ساحة التحرير ان تنجب قيادين وخارطة طريق واضحة للإصلاح يمكن لها أن تتبلور لتشمل مضامين التغيير المطلبية واهدافه السياسية. في مجابهة ذلك دعا البعض في رده على دعوتي إلى إبقاء التظاهرات مفتوحة على النوايا خوفا من الخلافات التي يمكن أن تنشا نتيجة غياب وحدة الرأي أو بسبب تسلل قوى الردة من جماعة النظام السياسي. لكن ذلك, وعلى الرغم من إمكانية حدوثه, فإنه لا يلغي حقيقة ان بقاء التظاهرات بدون قيادة سيتركها عرضة للوقوع فريسة لهذه القوى او ان يخف حماسها لكي تنحسرتدريجيا.
واجب هذه القيادة لن يكون فقط الدعوة للتظاهرات ومتابعة شؤون التظاهر المختلفة بل أن تكون لها صلتها بصنع القرار, وأن تكون جزءا اساسيا وحتى متغلبا في تشكيلته, وأن تسعى لفرض رؤيتها على مسار عملية الإصلاح ومراقبتها وتطويرها بالإتجاه الذي يضمن وطنية وثورية هذه العملية.
إن تأكيدنا على الحاجة إلى قيادة كهذه, بواجبات ومهام وحقوق مفتوحة على التطور, يتأسس على حقيقة ان عملية الإصلاح لا تحققها النوايا وإنما تشترط بداية توفر وسائل وآليات بإمكانها أن تضمن التحول والتغيير وان تساهم برعايته وتراقب تنفيذه وتكون ذات صلة يومية بجماهير الساحات المنتفضة. وبوجود وسائل الإعلام والإتصالات الحالية لا أظن أن عملية الوصول إلى الجماهير والتواصل معها ستكون صعبة.
لقد باتت مناقشة أمر تشكيل هذه القيادة التي يجب ان تعتمد على العناصر الشابة والبعيدة عن الإنتماء لأية قوة من قوى هذا النظام الفاسد الذي لا يمكن إصلاحه من داخله باتت اليوم أكثر من ضرورة.
ولسنا نطمع بتشكيلة قيادية مثالية, لكن مع كل التوقعات المفتوحة على وجود مفترض لسلبيات مرافقة فإن وجود القيادة هو أكثر فائدة بكثير من غيابها.
يتخوف بعض الأخوة من إحتمال أن ينكشف أمر هذه القيادة مما يجعل أعضاءها عرضة للإعتقال أو حتى الإغتيال. ذلك صحيح. وهو أمرمن المحتمل وقوعه. لكن وجود هذا التخوف لا يلغي حقيقة ان إبقاء أمر هذه القيادة في دائرة السر والكتمان هو في حكم المستحيل أيضا, فالسلطة ليست عاجزة عن معرفة الأسماء التي تقف خلف الدعوة إلى التظاهرات ومتابعة أمورها. لا بل ان وجود هذه الأسماء في طي الكتمان يحرم الجماهير من حق التعرف على قادتها ويعدم فرص تكوين هذه القيادات من داخل حالة الإنتفاضة نفسها.
ويجد البعض أن التصريح عن أسماء قادة الإنتفاضة هو أفضل أمنيا من جعلها طي الكتمان, فالنظام في الحالة الأولى سوف يكون مراقبا والجريمة سوف تكون معرَّفة مما قد يكبل يد السلطة ويجعلها تتخوف من إمكانات أن تكون تحت أنظار المنظمات العالمية الداعمة لحق التظاهر كما سيدفع حلفاءها للتفكير مرات في حالة التخطيط لأية جريمة. أما في حالة سرية الأسماء فإن السلطة سوف تكون أكثر قدرة على التصرف وأقل إلتزاما بحماية أمن القيادات فالمجهول قد يذهب دمه هدرا كما أن النظام سوف يكون أكثر حرية في مطارته وإضطهاده وأقل إحتسابا من رد الفعل.
وحين مراجعة كثير من الإنتفاضات المتفرقة في مختلف الساحات العالمية نجد أن أحد أهم عوامل نجاح تلك الإنتفاضات هو قدرتها على فرز قيادات أو قائد جماهيري ملهم أو خطيب مفوه بإمكانه أن يثير حماس الجماهير ويديمه ويكون متحدثا عنها ووسيطا بينها وبين السلطة سواء لأغراض التفاوض أو لجعل الجماهير على معرفة حقيقية بالمتغيرات, أو للحديث عنها أمام وسائل الإعلام العالمي.
ويوم يتعكز البعض على عوامل الإحتراس أكثر من تقدير الحاجة إلى وجود قائد معرف الهوية فإنه يسقط بدعوى هذا الأحتراس واحدا من أهم شروط نجاح الإنتفاضات الجماهيرية وديمومتها.
وما يثير الدهشة حقا هو الرأي الذي يقول ان معرفة أسماء القيادة سيجعلها عرضة للشراء من قبل قوى النظام. والدهشة هنا لا تتأسس على تغييب هذا الإحتمال وإستبعاد حدوثه وإنما يؤسسها الإعتقاد أن محاولة الشراء والإستمالة سوف لن تحصل إذا ظل الأشخاص مجهولي الهوية.
فلكونهم في الحالة الأخيرة لا يخضعون إلى رقابة أو متابعة ولا يلتزمون بعقد معلن أو ميثاق مكشوف مع جماهيرهم فإن إحتمالات تخليهم عن جماهيرهم سوف تكون أكثر في ظل وجودهم خارج دائرة الرقابة الجماهيرية
مقالات اخرى للكاتب