روى الرئيس جمال عبد الناصر مرة أن مصر طلبت من الرئيس السوري أمين الحافظ فتح الجبهة السورية أمامها لأن الحرب على إسرائيل من سيناء (كتاب «الحبر أسود أسود» لناصر الدين النشاشيبي)، سوف تحوّل الصحراء مقبرة للقوات المصرية. ورفض الفريق الحافظ. وعرض عليه عبد الناصر جبهة مشتركة. ورفض. ولست أدري ما هي دقّة النقل عن عبد الناصر. كل ما نعرفه أن الفريق قال لعبد الناصر إن لديه خطة لسحق إسرائيل في ثلاثة أيام. وللأسف، أطيح به في أحد انقلابات دمشق قبل تنفيذها. ومضى يعيش حياته منفيًا في بغداد، عند الجناح الآخر من «البعث»، في انتظار الخطة التالية، وهي تحرير فلسطين من الكويت.
يقول المفكّر الفلسطيني عبد المحسن القطان إنه عندما أعلنت مصر غلق مضائق تيران، أدرك فورًا أن الخطوة التالية سوف تكون الحرب، وتساءل: هل مصر مستعدة لها؟ وبعد أيام سمع أخبار الحرب من «صوت العرب» مثلنا جميعًا. فلم تكن في العالم العربي زاوية ليس فيها مذياع يلهب الأسماع والأفئدة بأعداد الطائرات الإسرائيلية المتساقطة. لكن في 9 يونيو (حزيران) 1967 وقف عبد الناصر يبلغ أمة حزينة: «انتظرناهم من الشرق، فجاءوا من الغرب».
عبثًا نعيد قراءة التاريخ الذي عشناه، بحثًا عن الأسباب التي أودت بنا إلى ما نحن فيه. هل هم العسكريون الذين هدموا الدولة المدنية من دون أن يقيموا الجيوش المنتصرة؟ هل هي المجتمعات السادرة التي انساقت إلى خدر الكلام من دون وعي أو تساؤل أو رفع إصبع واحدة في وجه الكارثة؟ هل هي المجتمعات العربية التي وقفت تهلل للكارثة وتمجّدها، وهي تقف على جثة الحياة والمستقبل؟
في «يوميات نائب في الأرياف» يصور توفيق الحكيم، بريشة رائعة لا تُنسى، عالم القرية الغارق في أمسه، لا يطلب غده ولا يتساءل عمّا هو خارج الترع، ولا يحلم بما هو أبعد من الولاء للعمدة.
عندما تقرأ نصوص الخلافات بين بعض الزعماء العرب تلاحظ أنه ليست هناك لغة سياسية. هناك هجمات ومبارزات وشخصانيات. وهناك تربُّص. وهناك عنصريات فلاحية مضحكة في ميزان التاريخ. المصري يتعالى على السوري، والسوري على العراقي، ومعرفة العراقي عن الآخرين لا تتعدى الأمثال الشعبية المضروبة. وفوق كل ذلك هناك «الأنا». الرجل الذي لا يناقش. نصفق له إذا انتصر وإذا هُزم. وأما مسألة من يترك من ضحايا في شعبه، فقد حلها الفريق أمين الحافظ: «نساؤنا حبّالات ولاَّدات»، كأنما أبناء الناس مجرد هوام عنده.
مقالات اخرى للكاتب