أن عدم نجاح الخطط المرسومة لا يعزى فقط إلى الأخطاء التكتيكية في تصميم الخطة وإنما إلى ضياعها بين المركزية واللامركزية في الإدارة ، فعدم قدرة الحكومة المحلية في – محافظة ميسان 365 كم جنوب شرق بغداد ) على تشخيص المشاريع الملائمة لتحقيق الأهداف المرسومة دفعها إلى الاعتماد على الوزارات بإعداد قائمة المشاريع التي تحتاجها رغم عدم قدرة الأخيرة على تخيص المشاريع الضرورية أوالمماطلة في التنفيذ لذلك ظهر واضحا المبالغة بالتكاليف في مشاريع غير إنتاجية ، وهناك عوامل أدت إلى فشل الخطط الاقتصادية : منها عدم الاهتمام بالعوامل النفسية والاجتماعية للسكان المنحدرين من أصول يمنية لا زالت العادات والأعراف القبلية والعشائرية تلعب دور كبير في حياتهم العامة باعتبار المجتمع الميساني يشكل العرب فيه نسبة 80 بالمئة من مجموع سكانه ، والبقية من السكان من أصول إيرانية سكنت المحافظة من سنين طويلة نتيجة النزوح السكاني خلال بدايات القرن العشرين ، وتشكل نسبة 20 بالمئة تقريبا من سكانها كون المحافظة تحادد إيران من جهة الشرق ومتلاصقة مع محافظتي ( خوزستان وإيلام ) الإيرانيتين بشريط حدودي يقرب من 200 كم طول ، مع وجود أقلية مسيحية وصابئة تعيش جنبا إلى جنب مع المسلمين من العرب الشيعة ، وفي غضون البحث عن مشاكل التنمية والاستثمار في المحافظة نجد إن بعض الآراء ترى عدم صلاحية بعض نماذج التنمية والاستثمار في إقليم كردستان مثلا لان طبيعة سكان تلك المناطق تختلف عنها رغم كوننا نعيش في بلد واحد والكثير من الناس يرى استيفاء نماذج من التنمية من واقع التراث المحلي للمحافظة ومن تركيبتها السكانية مع تماثل الشروط السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية ، وكون قيادة الصناعة للأنشطة الاقتصادية المتوازنة نابعة من كون الصناعة محكومة بضرورة التنامي والاتساع وفقا لمقتضيات التقدم والتطور الحضاري وفي مجرى تطور الصناعة تتنامى الإنتاجية وتتعاظم فعاليتها في سد السوق المحلية بالخدمات والبضائع الضرورية …. ولوإن البعض يفسر التقدم الحاصل في إقليم كردستان بسبب استقرار الوضع الأمني ، ألا أن البعض الأخر يرى أن التخلف الذي أصابنا وعدم رغبة الشركات المحلية والأجنبية بالاستثمار في ميسان يعود إلى وجود تخلف حضاري في بعض الشخصيات الوطنية والقيادية في المحافظة ، فالتنمية عملية مجتمعية يجب إن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة أومورد واحد وهي ليست عملية عشوائية وإنما عملية محددة الغايات ذات إستراتيجية طويلة المدى وذات أهداف مرحلية وخطط وبرامج مع إيجاد تحولات هيكلية في الإطار السياسي والاجتماعي مثلما هي في التقنية والبناء المادي وفي رأينا أن التنمية التي تستطيع بالفعل أن تواجه مشكلات التخلف في ميسان يجب أن يتوفر فيها عدد من الخصائص الرئيسية وهي :
1- أن إستراتيجية التنمية يجب أن تكون إستراتيجية تطوير المجتمع ككل وتطوير حضاري شامل ، أي يجب أن تكون هجوما على الفقر في اخطر مظاهره وفي سوء التغذية وسوء الصحة والجهل والأمية الأبجدية والأمية الثقافية وبناء الإنسان بناء واعيا .
2- أن تكون تنمية حقيقة ترتقي فعلا بحياة الناس وان يترتب عليها ارتفاع في مستوى حياة الإنسان سواء كانت حياته المادية أوالاجتماعية أوالثقافية أوالسياسية .
3- تطوير الخدمات البيطرية والصحية وتقديم الرعاية الكافية للثروة الحيوانية من خلال توفير الكوادر البيطرية المؤهلة وتوسيع عدد المراكز الصحية البيطرية
4- تشجيع الفلاحين على الزراعة بكافة صنوفها من خلال إعادة الجمعيات التعاونية الزراعية التي كانت منتشرة في العقدين الستيني والسبعيني من القرن الماضي ، وحثهم على تربية الأغنام والأبقار والدواجن وخاصة سكنه الاهوار وتعريفهم بأهمية الثروة الحيوانية وحمايتها وتطويرها ، بعد فتح مجمع تسويقي في المحافظة لاستلام محاصيل الحبوب والمحاصيل الصناعية التي لا تستلم من قبل وزارة التجارة مثل ( الذرة الصفراء ، الذرة البيضاء ، زهرة الشمس ، السمسم … وغيرها ) لتشجيع المنتجين لها لتطوير وتوسيع إنتاجها .
5- الاستفادة من خريجي كليات الزراعة والمعاهد الزراعية في مجال العمل الميداني لممارسة اختصاصاتهم العلمية بشكل فعلي وتشجيع البحوث والدراسات التطبيقية وإقامة المعارض الزراعية السنوية التي تخص الإنتاج الزراعي وإيجاد إعلام زراعي متطور لغرض التسويق والتعريف بأهم المحـــــــــاصيل المنتجة في ميسان .
6- لا شك إن حل المشكلة السياسية هوالمفتاح الوحيد لحل المشكلة الاقتصادية ، ما يدل على اعتدال الظروف السياسية في ميسان اعتدالا نسبيا ، لكن حمق البعض ممن يبحث عن المصالح الفئوية والفردية والطائفية ويعلوها على المصلحة العامة ، بما يعكر ويشل عمل الحكومة المحلية ويعيقها من تصريف وظائفها الإدارية والمالية والقضائية وما عانته المحافظة من تجزئة سياسية فعلية كادت تمزقها وتعطل ما بقى منــــها غير مخرب .
7- أن النظام السابق الذي اعتاد على نهب ثروتنا النفطية وتوزيعها على أنصاره ومريديه تحت باب المساعدات المعززة لأواصر الصداقة والتعاون مع البلدان النامية ، ففي عام 1974 دفع العراق ما مجموعه 2200 مليون دولار آنذاك كمساعدات لـ 25 دولة أسيوية وافريقية وهومبلغ قادر على بناء محافظة ميسان وتحويلها إلى محافظة أوربية ، وضياع بعض أموال المحافظة ألان نتيجة الفساد المالي وضعف التنفيذ في بعض المشاريع ، ومن الأجدر استثمارها في مشاريع تخدم المواطنين.
8- بالإمكان تسليم قطاع الكهرباء لإدارة القطاع الخاص وبملكية الدولة بدلا من استيراد الكهرباء غير المستقرة من إيران وكذلك الضمان الاجتماعي تسليمه لجهة استشارية من القطاع الخاص ، مع خفض سقف الإنفاق عن طريق انضباط مالي ومنع الرشوة والهدر والفساد وإشراك القطاع الخاص وتفعيلة بما يؤدي خفض العجز في تخصيص خطة تنمية ميسان ، علما أن التجهيز الحالي للكهرباء في ميسان بحدود (275 – ( 360 ميكاواط أي بمعدل ( (17ساعة تجهيز يوميا ، والحمل الأعظم الذي تحتاجه ميسان في ذروة فصل الصيف يتراوح بين ( 700- (725 ميكاواط.
9- من الغريب إن يصرف العراق سبعة مليارات دولار سنويا على استيراد الوقود من إيران لتشغيل محطات الكهرباء ولدينا النفط الخام والغاز المصاحب والطبيعي مع وجود كبرى شـــــركات النفط العالمية في العـــــراق اليوم ، لكن تنقصنا الإرادة الوطنية الصادقة .
10- إن عوائد النفط لا تمثل دخل بالمعنى المتعارف علية كونها غير قابلة للتجديد تلقائيا لذا لا يمكن تخصيصها لتسيير المرافق العامة ، وإنما تخصص لبناء المصانع والمدارس والمستشفيات وبناء الطرق والجسور والمواني …… الخ ، فلا بد من إحلال أصول رأسمالية أخرى محل الموارد النفطية مع تخصيص 15 بالمئة من إيرادات ميسان النفطية لأغراض تنمية المحافظة لما لحق بها من ظلم وتهميش في عهد النظام السابق .
11- ضرورة التصدي للانعزالية الفكرية التي تحارب التفاعل الفكري مع الفلسفات والأفكار الأخرى وتؤسس للتخلف الثقافي ، لاسيما أن الجهلة الذين يعوزهم الاطلاع على أفكار وفلسفات العصر الحديث يشهرون أسلحة الاتهام بوجه المثقفين المتنورين ، وبدلا من معالجة عقدة النقص الثقافية لديهم يعطون لأنفسهم حق محاربة الفكر الحديث المنفتح على ثقافات العالم المختلفة ، فتجد اليوم اغلب مثقفي ميسان الذين صقلتهم فترة السبعينات من القرن الماضي يعيشون منعزلين لا يسمع لهم صوت أوكلمة ، وهذا يعود إلى سياسة التهميش الفكري التي يمارسها البعض بسياسة الترغيب والترهيب ، أشخاص أوأحزاب أوكيانات ، ولا شك إن الثقافة الحقيقة الجادة هي الطريق إلى المعاصرة الصحيحة والحداثة المجدية بدلا من التقليد الأعمى للمظاهر الشكلية المفضوحة لأفكار وعادات الآخرين ، وإشاعة ثقافة الحزن والبكاء الدائم في المجتمع سواء بمناسبة أوبدون مناسبة ، وبالتالي شل حركة المجتمع الميساني فكريا وثقافيا. لكي يحصل الآخرون على أصوات أعلى في الانتخابات حتى يصلوا إلى كراسي مجلس المحافظة أومجلس النواب ، والتي يطالب المتظاهرون بإسقاطها لعدم كفاءتها القيادية وانشغالها بمصالحهم الشخــــــــصية والفئوية ليس غير .
مقالات اخرى للكاتب