منذ العام 2003 وبالتحديد بعد احتلال العراق من قبل أمريكا وسقوط نظام صدام حسين تدفقت ملايين الأطنان من المواد بمختلف أنواعها ودخلت العراق كل أزبال العالم من سيارات مستخدمة متهالكة عمرا وعملا الى معدات الى أجهزة منزلية وغيرها كانت يوما ما وبالا حقيقيا على دول أوروبا وأمريكا واليابان وغيرها من دول العالم فكان العراق خير مكب لنفايات تلك الدول وكان سوقا رائجة لبضائع غير مطابقة لأبسط مواصفات الجودة بل ولا حتى ابسط المواصفات الصحية ووصل الحال بالعراق إلى استيراد التمر من دول الجوار العراقي بعد أن كان البلد الأول بالعالم في زراعة التمور وغيرها من المنتجات الزراعية حتى شمل باقات الخضار التي كان العراقي يزرعها في حديقة منزله لتكفيه لموسم كامل, ثم تطور الحال نحو الاسوأ بإتجاه التجار الى الصين العظيمة لاستيراد كل شيء من هذا البلد الذي يصنع لك ما تشاء وفقا لما في جيبك من نقود ولكرمهم فأنهم لا يردوك خائبا ولو كان في جيبك دولارا واحدا ففي هذا الدولار سوف تحصل على بضاعة تضاهي في شكلها ((لا في جودتها ومضمونها)) البضاعة التي يدفع فيها غيرك 100 دولار, طبعا هذا الحال أدى إلى استنزاف أموال العراقيين المساكين الذين كانوا يحلمون في ظل الحصار بامتلاك تلفزيون بعد أن كانوا يعجزون عن إمتلاك تلفزيون عراقي الصنع أسموه السيد لأنه كان سيد الاجهزة في حينها, تنفس العراقي قليلا وانتعش جيبه قليلا عند تحسن الرواتب وحصول البعض على وظائف لكنه خسر أمواله ومدخراته على بضائع لا ترقى إلى مستوى الازبال ومخلفات المواطن الاوروبي والامريكي والخليجي التي يرميها في الشارع بعد أن يمل منها, ولم تكن الخسارة في أمواله بل في صحته حيث ازدادت نسب الإصابة بالسرطانات والامراض المختلفة لان ما يدخل للعراق يمر بسهولة عبر قنوات التقييس والسيطرة النوعية المزعومة لعدة أسباب منها كون البضاعة باسم احد المتنفذين في الدولة العراقية او أحدى المافيات التي انتشرت وأسست لها أسسا وبمسميات من المحظور الوقوف بوجهها أو بالطريق الأسهل وهو رشوة العاملين على تلك العملية لغض البصر عما يدخل متناسين أن ما يدخل سوف يكون يوما ما جزءا من ملبسهم او طعامهم او أجهزتهم المنزلية او سياراتهم التي يستخدمونها وبالتالي على الباغي تدور الدوائر, لم يفكر أحدا يوما التوجه الى الاسواق العالمية وزيارة المعارض الدولية في اوروبا وامريكا واليابان وغيرها مثلما يفعل الخليجيون لاختيار كل ما هو جديد ومتميز ليدخل بلدهم لأنهم أصحاب المال ويسيل لعاب كبرى الشركات لهم عند دخلوهم لأي معرض بل أن الشركات
العالمية ذائعة الصيت بدأت تتسابق للحصول على بضعة أمتار في المنطقة الحرة في دبي للإعلان عن منتجاتها للإماراتي مباشرة وفي عقر داره في وقت يتوسل فيه العراقي بالتاجر الايراني او التركي او الصيني ليمنحه بضاعة دون غيره من التجار لينافس بها في السوق العراقي بأبشع الطرق ((الميكافيلية)), فهل أصبح من الصعب على التاجر العراقي أن يبحث عن بضائع راقية بمجرد جلوسه على مقعده في مكتبه بأستخدام الانترنيت دون أن يكلف نفسه عناء السفر ومصاريفه في الوقت الذي كان فيه تجار العراق قبل مئة عام يمخرون عباب البحار للوصول إلى بريطانيا وأوروبا لاستيراد كل ما هو جديد؟؟ لكن المشكلة تكمن في عدة نقاط أهمها جشع التاجر وهمه في الحصول على أعلى ربح بغض النظر عن الواسطة او الوسيلة دون التفكير بسمعته أو بالأخلاق التي يجب أن يتحلى بها كتاجر أو بمآسي المواطن المتعددة ليكون جزءا آخرا من شبكة القتل المنظم لهذا الشعب المسكين إضافة الى فساد أجهزة الدولة المختلفة في السيطرة على ما يدخل العراق من بضائع وتغاضيها عما يدخل سيما وأن الكثير مما يدخل العراق يعود الى جهات رسمت لنفسها خطوطا حمراء لمنع التقرب منها وكذلك سذاجة وضعف وعي المواطن العراقي الذي يبحث عن الرخيص دون أن يفكر بالجودة متناسيا أن ما يشتريه بربع قيمة المنتج الجيد سوف لن يقاوم عُشْرَ عمر ما يشتريه من منتج جيد ولو كان بِضِعفِ ذلك السعر, فالوعي العام وتنامي الفساد وضعف الدولة هي أهم أسباب تدهور الوضع الاقتصادي العراقي بكل مفاصله لاسيما في قطاع حيوي ومهم للغاية والذي يشكل عصبا اساسيا لكل إقتصاد مزدهر ومستقر وهو قطاع التجارة.
مقالات اخرى للكاتب