انا رجل كبير في السن و الذكريات ، خبير بممارسات السياسة العرجاء ، و لي نظرة ثاقبة في اكتشاف المسرحيات و الكلاوات السياسية التي يمارسها بعض الحكام لاشغال الشعب في امور تنسيهم ممارسات السلطة و ما يدور وراء كواليس الحكم .
في زمن البعث و بعد عام 1968 ابتكر البعثييون فكرة ( ابو طبر ) التي انشغل بها الناس و بثت الرعب في صفوف المواطنين لدرجة ان كل ما كان يمكن تمريره ابان انشغال الناس في اقفال الابواب جيدا و ابتكار وسائل للانذار المبكر في اسوار البيوت و الابواب الرئيسة خوفا من ان يتسلل ابو طبر الى غرف نومهم و ينقض على العائلة بالكامل ، في الصباح تنقل وسائل الاعلام من صحف و تلفاز و راديو اسفة متالمة على مقتل عائلة باكملها حتى الطفل الرضيع منهم على يد ابو طبر . و ياتي دور الحكومة بالوعيد و التهديد في ايقاع اقسى العقوبات حين يكتشف الفاعل .
لم يخطر لذهن احد ابدا السؤال عن من هو القاتل ؟ انابيب معاجين الحلاقة يفجرها ابو طبر في سينما اطلس ، ضحية التفجير تعدت المئات من الابرياء العراقيين ، حرق ابو طبر منزل في الكرادة بساكنيه و لم ينج منهم احد ، بقرت زوجة ابو طبر بطن حامل لتقتلها مع الجنين ( كان هذا يوم 11 تشرين الاول 1969 ) . اتذكر هذا التاريخ لانه كان يوم زواج اختا لي . و تتابعت اخبار ابو طبر كل يوم و كل ليلة حادثة مأساوية صحيتها أناس مستهدفين من قبل حكم البعث الجديد انذاك . المواطن العراقي بطيبته الموروثة لم تخطر له فكرة ان ما كان يحدث من جرائم قتل على يد ابو طبر الوهمي ليست الا تصفيات جسدية لغير المرغوب فيهم في البقاء على قيد الحياة ، كان العراقييون منشغلون في احكام اقفال بيوتهم المعرضة لاية لحظة لدخول ( كاسبر ) ابو طبر و قتل العائلة بالكامل .
عام 1969 اخبرني ابن عمي ( نور يحيى المحنه ) الذي كان يععمل في فرقة الاغتيالات التابعة للاستخبارت العسكرية البعثية انذاك و الذي صفاه البعث عام 1972 في جنازة رسمية عسكرية مع موسيقة التوشيح و مسيرة استعراضية كبيرة في النجف ، مجلس فاتحة حضرة كبار المسؤولين ، كات فقط توقيت تصفيته لدفن معلوماته مع حسده كونه كان ثرثارا .
عام 1974 اكتمل الفصل الاخير من المسرحية بالقاء القبض على عائلة من المسيب مكونة من رجل امي فلاح الخلفية و زوجته ساجدة العورة ، تمت محاكمتهم علنا على شاشة التلفاز ، حكمت عليهم محكمة الثورة برئاسة السيد علي هادي وتوت بالاعدام شتقا حتى الموت ، كنت حينها في سجن ابي غريب المركزي موقوفا في قسم الموقف العام العائد لدائرة الامن العامة دون اصدار اي حكم علي من اية محكمة حتى اطلق سراحي مفصولا من وظيفتي ، المهم في الامر لم يصل السجن او قسم الاعدام العائد الى محكمة الثورة اي ممن حكم عليهم في الاعدام على اساس انه ابو طبر او ساجدة العورة زوجته.
تذكرت ذلك حين عرض على شاشة التلفاز عام 1997 رجل معمم يتحدث العربية بلهجة فارسية و قد اعلن عن مسؤوليته في مقتل السيد محمد محمد صادق الصدر و قال انه استؤجر كقاتل من قبل حزب الدعوة , كانت مقابلة تلفزيونية و ليست محاكمة رسمية ، قدم هذا المعمم قائمة طوبلة لأسماء و عناوين من استأجروه من حزب الدعوة الى النذيع مدير الحوار التلفزيوني .
بعد ان تمت مسرحية ايو طبر و سئم الناس ملابساتها و بدأ بعض الاذكياء و المثقفون يعلنون ريبتهم و تشكيكهم في مسالة هذا الجني ابو طبر ، توجه البعثيون الى لعبة جديدة اعلامية و رياضية مشوقة و مهدئة لأعصاب العراقين بعد سنتين من الذعر خوفا من افتحام ابو طبر .
كانت المسرحية الجديدة هي المصارع ( عدنان القيسي )
غدا باذن الله سنواصل مسرحيات البعث و الدعوة ...
مقالات اخرى للكاتب