عندما تصبح الديمقراطية قانونا مكتوبا وتفتقر الى عنصر التطبيق ، نجد ان الجميع يعيش حالة من الاتنفاض والانقسام بكل انواعه . تفضي الى خلق ارباك في التعاطي مع اجهزة الدولة. الشعورالذي ينتاب شخصا ما في فقدان العدالة قد يدفعه الى فقدان توازنه . انها ثورة داخلية تغلي داخل الابدان. كيف ستكون نهايتها الامر متروك الى الظروف ؟ اذا عنصر التطبيق هو الذي يجعل من الديمقراطية ممارسة مكتوبة الى ممارسة واقعية يمثلها الانسان على الارض . الامام علي (ع) الذي يفصلنا عن زمانه قرون بذل جهده في ان يكون مصدر التشريع والتطبيق في نفس الوقت . ربما لم يستوعبه عصره لدرجة شَعر بالغربة . مع وجود عدم الامتثال للشرائع في ذلك الوقت استمر في السير على طريق الحق الموحشة ساعده في هذا الامر ثلة من الناس الذين نذروا انفسهم لغاية سامية رغم الاهوال والصعاب . ضرب الامام علي (ع) دروسا في القيادة وحكم الرعية ابتداءا من حديدة اخيه عقيل حتى عهده الى مالك الاشتر والرجل الذمي الذي اقطع له راتبا من بيت المال ( وزارة المالية ) . اسس الامام علي (ع) دولة مواطن رغم الفتن وعمر حكومته القصير. هذه الدولة لاتفرق بين افرادها كاساس للمفاضلة والتمييز هو داء يتسلل الى نفوس الكثير من البشر. مع مرورهذا الزمن الطويل بقيت اسس خطها رجل عاش قبل 1400 سنة صالحة لكل وقت وقابلة للتطبيق في كل الظروف . لانها نابعة من اساسات المجتمع وحاجاته الضرورية . الاهواء والمجاملات والمحسوبية لم تتسلل الى تلك الثوابت لذا بقيت سامية ،متألقة ،نالت الاعجاب من مروا بها ووقفوا على بعض اسرارها الخفية حتى من غير المسلمين .
دولة المواطن التي بناها الامام علي (ع) اعتمدت على انسانية الانسان كونه افضل مخلوقات الله الذي يجب ان يكرم من قبل مثيله في الشكل .البعض حاول محاكاة هذه الشخصية العظيمة ولكن اصطدم بعوامل وسلاسل تحركه في اتجاه اخر مكتفيا فقط بكرار الاقوال دون الافعال (كم قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ). البحث عن الدولة العادلة عند الامام علي (ع) يحتاج الى الاصرار والعناد في مخالفة الاهواء البشرية وماكثرها لاسيما عندما يتولى احدهم منصبا مغريا ،فانه يضع نفسه على المحك في ان يكون من انصار دولة الامام علي (ع) في ابسط امورها ام يكون من المعارضين في السلوك والانتماء . رسم لنا الامام علي (ع) القواعد الاساسية في دولة المواطن وترك للآخرين حرية ان ينهالوا من هذا المعين الثر الذي لاينقطع عطاؤه مهما طال الزمن واحاطة به الاسلاك الشائكة . المهم في هذه الدولة هو حسن اختيار المسؤول لحاشيته وعدم الانجرار وراء المغريات التي لابد لها ان تلمع كالذهب في العيون . عندها يستطيع الانسان ان يضع نفسه في اي الفريقين هو . هل هو مع انصار الامام (ع) رغم الحقبة الزمنية ام من المعارضين الذين ارتضوا ان يكونوا من دعاة الاقوال والشعارات ؟
مقالات اخرى للكاتب