لعل أطرف ما قرأته مؤخراً إطلاق مجموعة من الشباب العراقي لحملة إعلامية بعنوان (كافي تسقيط) في رد واضح على انتشار حروب التسقيط السياسي التي التهبت نيرانها قبيل الانتخابات النيابية بين الكتل والأحزاب السياسية أو بين الشخصيات السياسية، وتكاد تكون القواسم المشتركة في هذه الحروب التسقيطية هي المال والجنس، وهكذا صارت الوثائق والأفلام تظهر بتوقيت محسوب، ونظراً لكثرة اتهامات سرقة المال العام التي طالت كثيرين فإن هذه التهمة لم تعد فاضحة ومثيرة بالقدر الذي يحتاجه الطرف المستفيد، فصار البعض يلجأ الى الفضائح الجنسية التي تتمتع بمفعول أمضى في المجتمعات المحافظة.للخصومة شرف يعرفه الفرسان الذين يبتعدون عن الفجور والغدر والنذالة في حربهم مع خصومهم، والعرب كانوا أكثر الأمم احتراماً لشرف الخصومة سواء في الجاهلية أو في الإسلام فهي من ثوابت القيم العربية الأصيلة بل نستطيع القول إن شرف الخصومة قيمة إنسانية سائدة في تراث وتقاليد الكثير من الأمم في عالمنا..
وهناك أمثلة من التاريخ العربي. أبو جهل مثلا العدو اللدود للنبي محمد (ص) رفض أن يكسر باب بيت النبي وقال (هل تريد أن تتحدث العرب ان أبا الحكم روع بنات محمد؟)، وإن معاوية الذي كان يحب سماع ما يحط من قدر خصمه التأريخي الامام علي بن أبي طالب (ع) غضب ذات مرة عندما سمع أحدهم يصف علي بالجبان وقال (كذبت ياعدو الله لم يكن علياً جباناً بل كان أشجع الناس) لكننا للأسف نرى اليوم في العراق خصوما سياسيين يشتغلون على قاعدة (اذا خاصمَ فجرَ) في حالة مخزية من غياب شرف الخصومة وتدني أخلاقيات المتخاصمين.
وقرأت ذات مرة عن الزعيم النازي هتلر كيف عامل خصمه أيرفن رومل المعروف بثعلب الصحراء بعد أن كشف خيانته له أوضلوعه بتدبير مؤامرة إنقلابية، عامل هتلر رومل بكل احترام وتقدير وطلب منه أن يتجرع السم أمامه وعوملت جنازته بصورة رسمية بوصفه بطلا ألمانياً ولم تتكشف حقيقة موت رومل إلا بعد سقوط النازية، وإذا ما عدنا الى طريقة صدام في التعامل مع خصومه أو من يعتقد انهم خصومه فسوف نجد البون الشاسع بين الرجلين، مثلاً لم يكتف صدام بنحر الزعيم القومي فؤاد الركابي بل دبر له مشاجرة مع منحرف داخل السجن يدعى (ارزوقي) بهدف تشويه سمعة الركابي حتى وهو ميت وهذا يعني قتله مرتين فيزياوياً ومعنوياً.
وقد انتشرت ثقافة التسقيط السياسي في مجتمعنا في السنوات العشر الأخيرة بصورة واسعة نظراً للثورة الهائلة في عالم وسائل الإتصال والمعلوماتية، وغالباً ما تستعر الحروب التسقيطية في الفترة التي تسبق الانتخابات، للأسف أن السياسيين لدينا لايتنافسون في البرامج السياسية بل يتنافسون في التسقيط السياسي، ومن أجل ذلك يستعينون بوسائل لاتمت الى شرف الخصومة السياسية بشيء، وقد بلغت من الإنحطاط القدر الذي صارت تصيب المواطن بالغثيان، ولعل صورة السياسي في العراق هي الأكثر قتامة في العالم.للخصومة مواثيق شرف لايعرفها إلا الفرسان ولعل (شعرة معاوية) صارت مدرسة لاستنباط أحكام الخصومة بين السياسيين، ولانقول ذلك لأننا نتفق مع السياسات التي كان يتبعها معاوية لكن المشكلة الحقيقية تكمن أن الخصوم الشرفاء لاينبغي أن ينزلقوا الى مستوى الخصوم الرعاع.لابد من دورات للسياسيين لدينا لتأهيلهم لشرف الخصومة، ولابد أن يتعرفوا على الكاتب والشاعر الفرنسي فولتيرالذي يقول (اني مستعد ان أموت من أجل ان أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول).
مقالات اخرى للكاتب