وسائل إعلام عربية وأجنبية وفي اطار تناولها الجلسة الاولى لمجلس النواب العراقي امس الأول الثلاثاء ركزت على المشاجرة التي اندلعت بين نائب من ائتلاف دولة القانون مع نواب التحالف الكردستاني ، وما حصل يختزل ازمة عميقة في وقت تشهد البلاد اوضاعا امنية سيئة لا احد يستطيع تقدير نتائجها لانشغال الجميع في تحقيق في ترتيب تسويات، يمكن ان تفضي الى اتفاق على اختيار المرشحين لشغل مناصب الرئاسات الثلاث .
بعيدا عما ذهبت اليه معظم وسائل الاعلام بان جلسة مجلس النواب بدأت بمشاجرة لم تكن الاولى في مجلس النواب ، هناك من اعتبرها فألا حسنا ، ولاسيما ان التاريخ البشري فيه من الحوادث والوقائع ما يؤكد بان النزاع والمشاجرات قد تفضي الى وضع حد نهائي للصراع والانتقال الى مرحلة اخرى من التعايش السلمي.
الحالة العراقية بتعقيداتها السياسية والامنية غير خاضعة لمقاييس التاريخ البشري في بعض الاحيان بتحويل الصراع والنزاع الى فرصة لترسيخ السلم ، بجهود عقلاء القوم ، والاستعداد للتنازل من اجل تحقيق الاهداف الكبرى ، لذلك لا يمكن ان تكون المشاجرة في جلسة البرلمان الاولى خير بداية ، تضع حدا لاضطراب يغذيه الصراع على السلطة ، والاستحواذ عليها بكل الأساليب خارج الأطر الدستورية ، الأمر الذي اشعل فتيل خلاف دائم في الساحة العراقية ، سمح لقوى خارجية للتدخل فكانت سببا في تغليب إرادة معينة على حساب اخرى ، في تهميش مقصود لإرادة شعبية علقت آمالها على إقامة نظام ديمقراطي، تشوهت صورته بإصرار على تعطيل التشريعات المتعلقة بتنظيم الحياة السياسية ومنها اقرار قانون الاحزاب وتعديل المواد الدستورية ، ونزع الالغام من مواده موضع الخلاف ، خاصة ان جميع الاطراف اعترفت بان الدستور بأمس الحاجة الى تعديل ، ولكنها فشلت خلال دورتين تشريعيتين من تعديل بعض المواد ، وتطبيق المادة الخاصة بالمناطق المتنازع عليها .
الاحداث الاخيرة في العراق افرزت واقعا جديدا يتطلب بالدرجة الاساس البحث في جذر المشكلة وتشخيص اسبابها ، عسى ان يصل اصحاب الحل والعقد الى صيغة مشتركة لوضع اسس تصلح ان تكون قاعدة مشتركة لرسم خريطة طريق جديدة ، لكن اصحاب الصوت المرتفع من هواة خوض المشاجرات ، فضلوا لعبة اثارة الغبار ، بتوجيه الاتهامات الى الشركاء والتلويح بشن حروب اخرى ، لاعتقادهم بان القوة في البيئة العراقية هي السبيل الوحيد لضمان المكاسب على حساب اقامة دولة مدنية .
العراقي اليوم وضع الحفاظ على امنه في مقدمة أولوياته ، وما عادت تعنيه مفاوضات الساسة لتشكيل الحكومة الجديدة ومن يتولى المناصب، والمشاجرة في مجلس النواب عمقت قلقه ومخاوفه من جر البلاد الى منزلق خطير، وانتابه الشعور بان الساسة يفضلون طبخ قراراتهم على نار هادئة ، مثل ذلك الشخص الذي نام تحت النخلة منتظرا سقوط الرطب في فمه ، فاستحق لقب تنبل ابو رطبة .
مقالات اخرى للكاتب