يعد سوق العراق للأوراق المالية في الوقت الحاضر سوق المال الرسمي الوحيد في العراق الذي يستثمر فيه كثير من العراقيين والأجانب أموالهم في أسهم الشركات العراقية المؤسسة وفقاً للقانون والتي يبلغ عددها حالياً (84) شركة، منها (71) شركة مدرجة في السوق النظامي الذي يضم الشركات الكبيرة ويشار أليه باسم ( السوق الأول ) إضافة إلى (13) شركة مدرجة في ( السوق الثاني ) الذي يضم الشركات الصغيرة. وفي شهر آب من العام الحالي 2013 حدثت انعطافه كبيرة في أداء هذا السوق حين انهارت الأسهم العراقية انهياراً واسعاً، وتدهور مستوى التداول بنسبة كبيرة جداً زادت عن (10%)، ما فرض على المستثمرين عرض أسهمهم للبيع بكميات كبيرة قياساً بمستوى الشراء، فضلا عما شاع في الأوساط المالية حول شروع المستثمرين الأجانب بالهروب من سوق المال العراقي، حيث أصبحت مبيعاتهم أكثر من مشترياتهم لأول مرة في تاريخ سوق المال. ولا غرابة في هذ الأمر؛ لأن المستثمرون الأجانب يراقبون حجم المشتريات لنظرائهم الأجانب بدقة فكيف لا يهربون من السوق وهم يرون انخفاض المشتريات الأجنبية في سوق العراق للأوراق المالية خلال شهر آب 2013 بنسبة (42%) عن مشتريات شهر تموز من العام ذاته، إلى جانب انخفاضها عن مستويات شهر حزيران بنسبة (60%). وليس من شك في أن كل مستثمر أجنبي، إضافة إلى العراقي يبدأ بالهروب من سوق المال حين يتيقن من انخفاضاته المستمرة عن مستويات الشراء، فضلا عن الانخفاضات في مستوى التداول وأقيامه . ولا أخطئ القول أن هذا الانهيار الواسع في سوق العراق للأوراق المالية لم يحدث نتيجة للصدفة أو بتأثير ظروف خارجية، وإنما جاء نتيجة القرارات الإدارية التي اتخذتها هيئة الأوراق المالية وأجبرت إدارة السوق على تنفيذها والمتمثلة بإيقاف أكثر من (20) شركة عن التداول اعتباراً من 4/8/2013، ما افضى إلى تعطل ما يقرب من ربع السوق، فضلا عن تحول استثمارات المساهمين إلى مجرد أوراق لا قيمة لها. ومما هو جدير بالإشارة أن السوق لم يتأثر بشكل مباشر لحظة صدور هذا القرار؛ جراء التصريحات التي أطلقها كثير من مسؤولي السوق حول قيامهم بالطلب من هيئة الأوراق المالية عدم إيقاف تداول الأسهم!!. إلا أن تأكد المستثمرين داخل العراق وخارجه من أن هذا الطلب ذهب أدراج الرياح، بالإضافة إلى إصرار هيئة الأوراق المالية ( وهي جهة حكومية مسؤولة عن الرقابة على السوق ) على قرارها بالإيقاف. إذ يبدو أن المهم هو تنفيذ القرار الإداري سواء كان سليماً أو خاطئاً وسواء أكان قانونياً أم بخلاف ذلك. وهو الأمر الذي أدى إلى تنفيذ القرار على الرغم مما ألحقه من ضرر تجاوز مصالح المساهمين إلى المساهمة بالتأثير على الاقتصاد الوطني. وعلى خلفية هذا القرار إنهار الرقم القياسي من ( 119 ) نقطة في بداية شهر آب، وصولا إلى ( 113 ) نقطة يوم 26/9/2013، ما يعني فقدان المستثمرين ( 5% ) من ثرواتهم خلال شهر ونصف. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو ضئيلة للبعض، إلا أن قيمتها المالية تعادل نحو (550) مليار دينار من قيمة استثماراتهم، أي ما يقرب من ( نصف مليار دولار ) خسرها المستثمرون من استثماراتهم خلال شهر ونصف بفعل جرة قلم من مسؤول إداري يتربع على قمة هرم سوق المال العراقي!!. ولا يخامرنا شك في أن الحكومة، ولجنة الشؤون الاقتصادية، ومجلس النواب، واللجنة الاقتصادية، ولجنة النزاهة مدعوة لمواجهة هذا الخلل الإداري الذي وأد بجهود مضنية بذلها جميع المخلصين من الحكومة والبرلمان والإعلام وعموم الشعب الرامية لرفع مستوى سوق العراق للأوراق المالية. ويبقى الحق للجميع في التساؤل حول من يعوّض المستثمرين عن خساراتهم الفادحة، بل من يعوّض العراق عن تدهور سمعة سوقه المالي وهروب المستثمرين منه جراء قرار يعده المتخصصين في القانون مخالفة صريحة للمواد 340 و 341 من قانون العقوبات العراقية، فضلا عما خلفه من أضرار بمصلحة العراق الاقتصادية ومصالح المستثمرين.