يتفق معي ممن سنحت لهم فرصة السفر لبلاد الله الواسعة، ذات الثقافات المتنوعة والأعراق المختلفة، انه لا تخلو جامعة أو شارع أو قرية من اسم شخصية كبيرة، ذات انجاز علمي أو معرفي أو اجتماعي غير به مسار الحياة في بلاده، وساهم ببصمة مضيئة في تأريخ أمته، بغض النظر عن مشاربهم وأعراقهم واتجاهاتهم، أبرز هذه الدول وأكبرها طوائف ومعتقدات هي الهند، فعلى امتداد شوارعها ومدنها تجد إن "غاندي" البوذي الديانة الاشتراكي السياسة، معظم ومبجل عند أبناء شعبه ممن يختلفون معه في الدين، ولا يؤمنون بتوجهاته ألاشتراكيته، وأستطيع ان أجزم إن أي هندي وهو يعتز بهذه الشخصية لم يفكروا في يوماً من الأيام بطائفة "غاندي" او انتماءه السياسي، بل كان وما زال وسيبقى رمز وطني ضحى وناضل وقدم في سبيل حرية أمته وصنع منها دولة عظيمة تقف على خط واحد مع أعظم دول العالم.
فيما بلادنا وهي تسير في طريق الديمقراطية والتحضر والتقدم، ما زال قادتها وسياسيوها ممن تولوا دفة القيادة في غفلة من الزمان، غارسون في رواسب التخلف حاملون لنزعة التخوف، لا يمتلكون قوة القرار والإرادة، ولعل أخر ما حصل في ذلك "ولا أجده الأخير" هو قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، متمثلة بشخص وزيرها الأستاذ علي الأديب "الإسلامي التوجه"، برفع أسماء الرموز الدينية والمراجع الإسلامية والقادة الوطنيين، من على قاعة الدرس في الجامعات العراقية، لأنها تثير الحساسية والطائفية لدى الأخر، وكأن من سترفع أسماءهم هم شخصيات عابره لا أثر ولا دور لهم في هذا المجمع، وتأريخهم نقطة سوداء للأمة، لذا يستدعي حذف هذه الأسماء.
فقبل سنوات كان الكثير من المسؤولين يتسابقون على شاشات التلفزيون وميكرفونات المنصات الإعلامية، وهم يدافعون عن الرموز الدينية والوطنية ويعبرون عنها بالخطوط الحمراء، التي لا يمكن تجاوزها، مطالبين بحق تغيير المناهج وتصحيح المفردات، ليطلع الجيل على واقع الامة ومسارها.
لكنني وبعد سنوات حصلت على إجابة .. لا تقبل التأويل فسيادة المسؤول ومن يلتف حوله يخشى ان يتهم بالطائفية وأن لا تجرح مشاعره، فيما يدوس بمجاملاته مشاعر الملايين ويتناسى تأريخ مضيء يحاولون ان يطفئوه في عقول أجيالنا.
لن يكون لتأريخنا وماضينا ورموزنا أي قوة يدافع عنها جيل المستقبل ما دام هنالك من ينهزم أمام أول تحدي، ويقبل التنازل عن كل هذا التأريخ وشخصياته الكبيرة، أن احترام رموزنا واجب وطني وأنساني وأخلاقي، وجزء من تعظيمهم ان تكون أسماءهم وانجازاتهم تنور مراكز العلم والتعلم والمعرفة، وتعطي لطالبيها الدافع للاستمرار والاقتداء بهذه الأمثلة الرائعة.
فلا يمكن ان ننسى محمد باقر الصدر، ومحمد باقر الحكيم، ومحمد محمد صادق الصدر، والآخرين ممن افنوا حياتهم وضحوا بزهرة شبابهم وصنعوا لنا أساس الحياة الكريمة، وعلمونا كيف نصنع من الموت حياة ومن الـ"لا" ألف نعم لمستقبل زاهر، بمحاباة وصفقات ومجاملات سياسية تعطي ربحاًً آنياً وخسارة كبيرة.
ما أخشاه أن اصحوا صباحاً لأشهد رفع أسماء أئمتنا "عليهم السلام" من على مدارسنا وشوارعنا وبعض ما مذكور في كتبنا، تحت ذريعة المصالحة والوحدة والحفاظ على النسيج الاجتماعي، كونهم أئمة طائفة وذكرهم يعني الطائفية، أتمنى ان تصل رسالتي ونتذكر أن السيل الجارف يبدأ بقطرة، وان لم نضع سدود تحمينا سنغرق ولا نجد من يرحمنا ما دمنا لا نحترم تأريخنا .