Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
الُحكمُ في القُرآن الكريم ِ ... والرد على دعاة الدولة الدينية
الخميس, كانون الأول 3, 2015
خلدون طارق

 

 

يواجه العالم اليوم الخطر الكبير والمحدق من دعاة الإسلام السياسي وربائبهم من حركات التطرف الإسلامي التي بدأت تضرب بقوة في جميع أنحاء العالم في ظل توظيف المصطلح القرآني والآيات القرآنية لخدمة مطامع الراغبين بالسلطة من أهل العمائم وعلماء الدين ,

 ورغم أن توظيف الإسلام والدين بصورة عامة من أجل المصالح السياسية ليس جديدا إنما كان يجري على مر العصور والأزمان ,  وقد نقل إلينا القرآن الكريم إنموذج للدولة الدينية القديمة وهي دولة فرعون حين ورد فيه قوله سبحانه وتعالى عن لسان فرعون 

{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر29

في حين أن القرآن الكريم يحتفظ لنا بمثال مغاير للدولة غير الدينية التي كان فيها الأنبياء يتقلدون مناصب مهمة فيها كما حدث مع قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما قال ملك مصر لحاشيته 

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ }يوسف54

الأمر الذي دفع بسيدنا يوسف عليه السلام أن يطمح إلى أعلى المناصب في دولة ملك مصر ليسوس رعيتها ومصالحهم على أتم وجه فقال 

{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }يوسف55

فنال يوسف عليه السلام بفضل علمه أعلى المراتب في ظل دولة غير دينية أبدا وخدم العباد على أتم وجه ولم يّدُر في خَلدِ يوسف أن يُدبِرَ إنقلابا ليقلب نظام الحكم ويقيم الشرع السماوي في دولة تحتل قلب العالم القديم في حينه ألا وهي مصر , كما أن سيدنا موسى من قبل عندما واجه فرعون لم يقل له دعني أحكم أنا بشريعة ربي بل كل ما جاء فيه يتلخص بآية واحدة 

{حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ }الأعراف105

وهذا هو جري الأنبياء مع أممهم ولا يغيب عن هذه القاعدة أو يستثى منها إمام الأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فهذا هو حاله مع قومه ،  فلم يتقلد المُلك بالوسائل المتاحة في حينه وبعدها ينقلب عليهم وينقلهم إلى الدولة الدينية كما تطمح إليه أحزاب الإسلام السياسي اليوم ، التي تؤمن بالعمل الديمقراطي والتي تُمثل الجانب المُحسن من الإسلام السياسي  , حيث تحفظ لنا السيرة العرض الذي تقدم به قادة قريش لسيدنا محمد ( عليه الصلاة والسلام ) 

قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدِّث: أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة ، بعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي: كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر مالا أطيق. فظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قد بدا لعمه فيه أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته.

ولكن دعاة الإسلام السياسي لا ينفكون عن طلب الحكم وتصوير الأنبياء وخاصة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأنه رجل طامح إلى السلطة ليقود التغيير المنشود قافزين على نصوص السير ومن قبلها القرآن الكريم التي لم تفرض على المسلمين ولا على الأنبياء إقامة الحكومة السياسية وقيادة المجتمع من الناحية السياسية ،  أو إقامة السلطة الجبرية لإجبار الناس على طاعة الله تعالى مصورين أن الإسلام المدني هو الوجه الحقيقي للإسلام ،  لأنه في عصر التمكين ، وباعتقادهم أن الحوادث المكية لا يقاس عليها أبدا لأنها كانت في عصر الإضطهاد الديني للمسلمين من جانب قريش وحلفائها ، معللين ذلك ببعض من آيات القرآن الكريم التي أولوها بشكل يخالف روح القرآن الكريم  نفسه ،  وسنعمل في هذا المقال على تفنيد حججهم الواهية التي صورت الإسلام على أنه دين دولة ومنهج ثوري ضد السلطة العلمانية أو أية حكومة أخرى وإن كانت إسلامية لكنها لا تدين بالنهج الإسلامي الذي يدينون به كما حصل اليوم مع تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية ، ومن قبلها القاعدة التي كفرت بحكم العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية . رغم أن منهج المملكة لا يختلف كثيرا عن منهجهم الفكري ومرجعيتهم واحدة وهي ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب , بل وحتى الأخوان المسلمين لا يرضون إلا بحكم الأخوان وكذلك الأمر بالنسبة إلى دعاة الإسلام السياسي الشيعي وغيرهم حتى أصبحت الرسالة المحمدية فارغة من محتواها الروحي ويُصورُ سيدنا محمد اليوم من جانبهم كأنه جيفارا أو  تيتو أو غيره من القادة السياسيين.. وتناسوا أنه نبي أرسله الله تعالى  لهداية الناس لا إلى حكمهم .

 فهو نبي كباقي الأنبياء وإن مهمة اﻷنبياء مهمة واحدة وهي : ترك الناس على المحجة البيضاء حيث بينها القرآن الكريم بقوله 

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5

يقول دعاة الإسلام السياسي بأن من لم يحكم (وهو عندهم الحكم السياسي) بما أنزل الله تعالى فهو كافر فاسق ظالم بنصوص قطعية من القرآن الكريم , حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم في سورة المائدة 

1 - { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } المائدة44

 

2 - { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } المائدة45

 

3 - { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } المائدة47

وقال ايضا في سورة النساء 

 {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }النساء105

ومرتكزهم على مقطع واحد ضمن تلك الآيات ألا وهو :

(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ)

 وسموها بالحاكمية التي ذبح أبناء أمتنا دونها ، ومن أجلها ، وكانت هي النيل الذي ترمى له العرائس كل موسم فيضان يفيض به الجهل المقدس والحقد الأعمى فترمى له أجساد شبابنا وشيوخنا وأطفالنا ثمنا لترهات المودودي وطموحات الأفغاني وأحلام البنا وسيد قطب وأشياعهم وتلاميذهم . 

وقبل أن نعرج على تبيان معاني مُفردة الحُكم في القرآن نودُ أن نبين بأن إقامة الدولة الدينية ومعالجة المشاكل السياسية وتنظيم الحياة السياسية فيها يحتاج إلى الكثير من النصوص والمعالجات , غير أن الآيات التي قالوا أنها أتت لمُعالجة إدارة المجتمع في القرآن الكريم لا تتعدى الــ (بضع آيات)  وأن آيات الحدود التي يقولون أن مبغى إقامة الحكم الديني هو إقامتها لا تتعدى بضع آيات أيضاً , ولم تعالج كل الجرائم أو معظم الجرائم المنتشرة في المجتمع الإنساني ! 

 كما إن اقامة تلك الحدود القرآنية لا يشترط أن تقام من قبل الحكومة الدينية ، فقد حدث في العراق مثلا إبان حكم البعث إقامة بعض الحدود رغم أن نظام الحكم كان فيه علمانيا كما أن الأمر بإقامة الحدود ليس على الوجوب بل هو يقيد بضابط عام هو قوله سبحانه وتعالى 

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58

أي أن المسلم إذا حكم يوما فلابد أن يحكم بالعدل ولم يوجب على المسلم أن يقيم الحكم السياسي أبدا بل قال له إن حكمت فاحكم بالعدل .. وإن لم تحكم فلا إثم عليك ..إن تركت الحكم فاﻷمر يقع جوابا للشرط لا الشرط نفسه  , 

 

 وبالتالي فإن إقامة تلك الحدود تخضع إلى هذا الشرط لا العكس . 

والآن تعالوا لننظر إلى مفردة الحكم في القرآن الكريم وإلى ماذا كانت تشير.. وهل أشارت مرة إلى الحكم السياسي ؟؟

يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم 

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213

فكان من مهمة الأنبياء أن يحكموا بالكتاب والشريعة , التي عندهم , بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون .

أي  أن الحكم هنا لا يشير إلى الحكم السياسي بتاتا ، فكما هو معلوم أن الأنبياء لم يحكموا شعوبهم حكما سياسيا بل قد ورد ذكر نبيين فقط في القُرآن حكموا شعوبهم سياسيا وهم سليمان وداود عليهما السلام  .

 أما باقي الأنبياء فلم يكونوا حكاما ولم يسعوا إلى الحكم أبدا بل قالوا 

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88

فالحكم هنا جاء لتحكيم الشريعة في نفوس الناس وجعل الإنسان يحكم كتاب الله في نفسه , كذلك يحتوي الكتاب على نصوص من الوحي تحل بعض الإشكاليات التي شجرت بين الناس بسبب سوء فهمهم لنصوص دينية سابقة أو تصور ديني خاطئ ومتوارث ، كما حصل مثلا مع ذكر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في التوراة والإنجيل حيث فهم اليهود والنصارى أن النبي القادم سيكون من بني إسرائيل في اﻵية الواردة في سفر التثنية بينما كان المقصود به من بين أبناء عمومتهم بني إسماعيل لذلك بين الله سبحانه تعالى إحدى المزايا للقرآن الكريم فقال 

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }النمل76

وقال الحق سبحانه وتعالى عن أنبياء بني إسرائيل أيضا وحكمهم 

{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44

فلو كان الحكم هنا هو الحكم السياسي لماذا لما يصبح عيسى أو زكريا أو أيوب أو العزيز أو غيرهم حكاما سياسيين ؟! 

وخاصة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال 

(كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون)

ولو فهمنا أن السياسة هنا هي سياسة الدولة فإن هذا الحديث يسقط من الإعتبار لأن حكام بني إسرائيل لم يكونوا أنبياء بل حتى القرآن الكريم قال عنهم

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) ولم يمكنوا الا في جزء صغير من التاريخ فاصابتهم لعنة داود ولعنة عيسى عليهما السلام 

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }المائدة78

ولو كان الحكم هنا يدل على السياسة فأين دولة يحيى عليه السلام التي كان يحكمها حيث قال الله تعالى عنه 

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12

 

والآن لنرجع إلى تلك الآيات التي يعتمدون عليها في وجوب إقامة الحكم الإسلامي أو الحاكمية 

1 - { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } المائدة44

هذه  الآية تتحدث عن الحكم في التوراة .ونحن أوضحنا أن الحكم في كتاب الله لا يعني السياسة أبدا إنما هو تحكيم كتاب الله تعالى في نفوسنا وتصرفاتنا والانقياد إلى الله تعالى والحكم في الأمور التي تشجر بين الناس بسبب الخلافات في تفسير بعض النصوص كقول الله تعالى في كتابه الكريم 

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }البقرة113

أما الآية الأخرى تتحدث عن التوراة 

2 - { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } المائدة45

وهذه الآية هي آية للحدود وللقصاص وتفيد قانون العقوبات لا دستورا سياسيا 

3 - { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } المائدة47

بل تطلب اﻵية الأخيرة من أهل الإنجيل أن يحكموا اﻹنجيل فيما بينهم فأين الحكم الإسلامي المزعوم في تلك الآيات !

 

 مشددين في الوقت نفسه على أن الإنجيل المذكور هنا أصلا لا يحتوي على أية آية تعالج الأمور السياسية ،  أو  تصلح مادة يشتق منها القوانين الدستوية أو الأساسية.. فهو كتاب سيرة المسيح وفيه نصائحه.. بل والأدهى أنه عطل حتى العقوبات التوراتية كالزنا في حق إحدى النساء , أي أنه حتى لم يحتوي على آية قصاص واحدة فهو ليس كتابا تشريعيا بالمرة !!

الحُكم الإسلامي في مُجتمع المدينة المنورة :

يعتمد معظم دعاة الإسلام السياسي على الدولة التي أسسها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة بل وصوروا للناس أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد الخروج من مكة , بعد أكثر من عقد هادن فيه الكفار حيث دعى إلى الحرية الدينية فيها وبعد أن واجه المقاومة العنيدة من عتاة قريش ,  ليقيم الحُكم الإسلامي خارج مكة , متغافلين عن القصة التي أوردها ابن إسحاق في عرض قريش للنبي أن يكون ملكا عليهم بل تروي السيرة أيضا أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما أراد الخروج من مكة قال " أمَا والله لأخرج منك، وأني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ، وأكرمه على  الله ، ولولا أن أهلك أخرجونى منكِ مَا خرجت")

 وهذا دليل على أن سيدنا محمد لم يقصد في يوم من اﻷيام الخروج من مكة لولا موقف قريش منه ومن دعوته عليه السلام .

ولو كان في الأمر وجوب الخروج لإقامة الحكم الإسلامي ما كان للنبي أن يعترض أو يجد في نفسه حرجا مما قضى الله وهو الذي كان يردد بين المسلمين 

{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65

إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفكر في أن يحكم أبدا بل رفض أن يكون ملكا أو حاكما سياسيا فقد ورد في الحديث الشريف أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( إن الله تعالى خيّرني أن أكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاخترت أن اكون عبدا نبيا) . 

بل إن حتى بيعة العقبة لم تتضمن أن يكون النبي حاكما سياسيا عليهم البتة بل كانت البيعة تتكون من أربع بنود لاغير هي } السمع والطاعة ( لشخص النبي فالنبي له على المؤمنين به حق الطاعة) , والنفقة في العسر واليسر , الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر , والقيام في الله وألا تأخذهم في الله لومة لائم ، و أخيرا نصرة النبي عليه السلام ومنع الأعداء من الوصول إليه}

هذه هي بنود بيعة العقبة التي أسست للفترة المدنية ولم تتضمن أي جانب سياسي أبدا ،  ولم تتضمن التحالف من أجل إخضاع باقي القبائل العربية للحكم الإسلامي ،  فلو كان النبي مرسلا لإقامة الدولة الدينية لوجب عليه أن يخضع تلك القبائل بالقوة ويدخلها في حكمه وأن يكون ذلك من ضمن بنود بيعة العقبة ألا أن البنود لم تتضمن سوى منع الأعداء من الوصول إليه ، أي كان التحالف بين وبين الأنصار دفاعيا فقط وهو الأمر الذي دفع بالنبي عليه السلام أن يستأذن الأنصار في معركة بدر عندما وجد نفسه أمام جيش الكفار حتى انبرى زعيم من زعماء الأنصار وهو المقداد بن عمرو قائلا له كما تروي ذلك سيرة ابن هشام قام  فقال : يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (من المواقع التاريخية القديمة في تهامة)  لجالدنا معك من دونه ، حتى تبلغه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له به . 

لذلك عندما سمع النبي رأي زعيم من زعماء الأنصار يجيز له خوض الحرب الشاملة (وإن كانت غزوة بدر هي دفاعية أصلا كما سنوضح ذلك فيما بعد )  عندها خاض الحرب مطمئنا بأنه لم يخرق بنود البيعة أبدا .

 ونعود لنقول لو أن مقتضى تلك الآية التي يعتد بها أنصار الحاكمية من المسلمين هو لإقامة الحُكم الإسلامي لوجب على النبي عليه السلام  خوض الحروب العدائية ضد الكفار من المشركين ومن اليهود والنصارى  بينما القرآن الكريم منعه من ذلك وقال له إن الحرب هي فقط للدفاع عن النفس ورد كيد المعتدين محذرا من الإعتداء على الغير لأن الله تعالى لا يُحبُ المُعتدين فقال سبحانه وتعالى 

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190

فالقتال فقط ضد الذين يقاتلون المُسلمين بدون أي تفكير في الإعتداء , 

فلو كانت هناك دولة كافرة لم تعتدِ على المًسلمين ولم تهجم عليهم هل كان للنبي او للمُسلمين ان يعتدوا عليها ويخضعوها للحُكم الإسلامي بما أنه أمر الله تعالى ؟!

بل الأدهى كيف يفرض النبي عليه السلام  الجزية على الدول العدوة له دون أن يتدخل ويخضعها ويُبدل قوانينها الوضعية بقوانين سماوية ؟! 

إن الغزوات النبوية التي يعول هؤلاء عليها لإسناد نظريتهم العدوانية ما كانت إلا غزوات دفاعية للدفاع عن الجماعة المُسلمة ضد كيد الأعداء المُتحالفين ضدها فما كان من بد إلا رفع السيف لرد كيدهم ،  وكانت الحرب الدفاعية تتضمن قيام النبي عليه الصلاة والسلام  بإرسال الفرق الإستطلاعية وضرب خطوط إمداد العدو والهجوم على تحشداته قبل أن تنطلق ضده لتضربه في عقر داره , فاستراتيجيات الحرب الدفاعية تقضي بالمبادأة أحيانا ،  لذلك كان هذا هو الضابط الذي تفهم الغزوات من خلاله والذي يتوافق مع الآيات القرآنية العديدة التي تحث على مقاتلة المعتدين فقط .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }المائدة87

 ولو طالعنا سورة براءة أو (التوبة) لرأيناها تخص كفار مكة وأشياعهم بعد أن هزمهم الله تعالى وكسر شوكتهم ،  فأذن الله تعالى لنبيه أن يجهز عليهم ويفني دولتهم كي يرتاح المسلمون من هذا الشر الذي كان يحيط بالمدينة على شرط الحفاظ على العقود القائمة وأن يكون الضابط في الأمر عدم الاعتداء أبدا يقول الحق سبحانه وتعالى فيها 

بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ{1} فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ{2} وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{3} إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{4} فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{5} وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ{6} كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{7} كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ{8}

وهذه الآيات من براءة تخص مشركي مكة كما قلنا والضابط فيها موجود في تلكم اﻵيات

وواضح أيضا بسورة البقرة حيث قال الحق سبحانه

َقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ{190} وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{191} فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{192} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ{193} الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{194}

وصدق الحق سبحانه فلا عدوان إلا على الظالمين ولا قتال إلا للمقاتلين 

فأين الحكم السياسي الذين تبغون ؟!


مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.46385
Total : 101