في ظروف تغيم فيها الرؤى، وتتعثر الأحلام لابد من الاتجاه الى البحث عن الحلول ويصبح من المسؤولية ان ياخذ الشعب باعتباره مصدر السلطات دوره في انقاذ الوطن وفي ظل الازمة المالية التي يمر بها العراق يصبح من الواجب العمل جديا على استعادة الاموال المنهوبة سواء تلك التي نهبت قبل 2003 او بعد ذلك التاريخ .
استنادا الى الارقام الصادرة عن وزارة المالية العراقية إن العجز في ميزانية العراق من المتوقع ان يصل الي 11.9 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في 2016 وهذا مع استمرار الحاجة الى تمويل القتال ضد تنظيم داعش والهبوط الحالي والمتوقع في اسعار النفط الذي يعتبر المصدر الوحيد للدخل الوطني للعراق . اي ان العجز المتوقع ان يقدر 23.5 تريليون دينار. من ناحية اخرى فان المصادر الدولية قدرت الاموال التي نهبها افراد النظام الحاكم قبل 2003 بحوالي 200 مليار دولار اما الاموال التي تم نهبها بعد ذالك التاريخ فلايوجد مصادر موثقة لتلك الاموال وان كانت مصادر المفتش العام الخاص لسلطة الائتلاف المؤقته ستيوارت بوين تحدثت عن اختفاء ثمانية مليارات دولارات اثناء فترة 2003-2004 . اما بعد ذلك التاريخ فالارقام متضاربة وغير موثقة ، ولكنها بحسب تقارير الهيئة الوطنية للنزاهة تقدر بحوالي تريليون و14 مليون دولار .
وتبذل الدوائر الرقابية الحكومية ومنها الهيئة الوطنية للنزاهة العراقية التي تضم دائرة خاصة بإسترداد الأموال المنهوبة تنقسم إلى مديريتين الأولى معنية بإسترداد الأموال والثانية بملاحقة المتورطين فيها , جهود حثيثة للحصول على دعم دولي لاستعادة أمواله المنهوبة والمهربة إلى الخارج ، ولكن بالرغم من تلك الجهود فان هناك تقارير الدولية مازالت تشير الى ان عمليات النهب والتحويل إلى الخارج ما زالت جارية في العراق ، وبوتيرة ربما أعلى من الماضي .وقد عقدت الحكومة العراقية مؤتمرين دوليين بهذا الشأن: الدورة الأولى لملتقى بغداد الدولي لمكافحة الفساد في آذار (مارس) عام 2013 ، والدورة الثانية مؤخرا خلال الفترة 9 و10 أبريل/نيسان 2014 .
من دراسة التجارب الدولية في مجال استعادة الاموال المنهوبة في العالم وخصوصا بعد دخول اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005 حيز التنفيذ يمكن ان نتوصل الى ان استعادة الأموال ليست مستحيلة ولكنها تتطلب جهوداً قضائية ودبلوماسية وسياسية وضغوطاً من منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها وسائل الإعلام . ولكن للاسف نجد ان الجهود العراقية ولغاية اليوم لم تحقق النجاح المرجو وذلك يمكن ان نعزوه الى ان من بين العراقيل التى تعيق عملية استرداد الاموال العراقية المنهوبة فى الخارج مايلي :
1. الظروف السياسية الداخلية المرتبطة بتركيبة العملية السياسية داخل العراق والمتمثلة فى الصراع السياسى، وعدم إدراك الحكومات المتعاقبة فى العراق لأهمية ملف استرداد الأموال المنهوبة. مما اثر على جهود هيئة النزاهة في استعادة تلك الاموال نتيجة للتجاذبات والخلافات السياسية الجمة، بالإضافة إلى إعلاء المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
2. إن عملية إسترداد الأموال تحتاج إلى أحكام قضائية باتة ونهائية وقاطعة، ونتيجة لهروب جميع المتهمين بتعريب تلك الاموال وصدور احكام غيابية بحقهم وحيث ان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 وتحديدا في المادة 247 قد نص على(آ .متى قبض على محكوم عليه غياباً بالاعدام او بالسجن المؤبد او المؤقت او سلم نفسه الى المحكمة او أي مركز للشرطة فتجرى محاكمته مجدداً وللمحكمة ان تصدر عليه أي حكم يجيزه القانون ويكون قراراها تابعاً للطعن فيه بالطرق القانونية الاخرى.) اي ان الحكم الصادر غيابيا في الجنايات اذا كانت العقوبة فيه سجنا مؤبدا او مؤقتا لايعتبر حكما نهائيا فهو عرضه للطعن فيه في حال القاء القبض على المتهم او قيامه بتسليم نفسه وهو حكم لا يمكن تنفيذه حتى لو كان قطعياً، لأن بإمكان المتهم الطلب بإعادة المحاكمة في حال عودته للبلد.
3. حالة عدم الإستقرار السياسي التى تمر بها البلاد، وحملة التشويه التي تقودها القوى المستفيدة من تهريب تلك الاموال وخصوصا ضد القضاء العراقي جعلت الدولة التي تتواجد فيها تلك الاموال تتردد في التعاون مع الجهود العراقية .
4. ضعف الخبرة القانونية المتعلقة بعملية إسترداد الأموال، فضلاً عن ضعف التنسيق على المستوى المحلى بين الجهات الرقابية والجهات القضائية والجهات الدبلوماسية وغياب الإرادة السياسية الحقيقية.
من هذا المنطلق فان نجاح الجهود العراقية نحتاج الى توحيد كل الجهود و خلق نظام متكامل لإسترداد الأموال يسترشد باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويكون مدعوماً بالإرادة السياسية، وتنحية الخلافات السياسية جانباً، مع التركيز على ذلك الملف الهام نظراً للأمال الكثيرة المتعلقة به، مع الأخذ فى الإعتبار أن عملية إسترداد الأموال بها الكثير من المعوقات، خاصة أن المسار القضائى الرسمى سيحتاج وقتاً طويلاً لأنه معقد، ومن هنا يبرز دور منظمات المجتمع المدني لتشكيل عامل ضغط داخل العراق بالاضافة الى ضغط قانوني داخل الدول التى لديها ودائع مسروقة.
فاذا عرفنا ان الاموال المنهوبة هي الأموال والأصول أياً كان نوعها التي استولي عليها أي شخص طبيعي أو اعتباري من الأموال العامة للدولة، والناتجة بطريق مباشر أو غير مباشر عن ارتكاب أي جريمة من جرائم الفساد المنصوص عليها في القوانين النافذة في العراق وفي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ وذلك سواء كانت هذه الأموال والأصول مادية أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة، نقدية أو عقارات أو أسهم شركات أو حقوق عينية ذات قيمة مالية، وكذلك المستندات والوثائق القانونية التي تثبت ملكية هذه الأموال والأصول. ويدخل في ذلك العملات بجميع أنواعها المحلية والأجنبية والأوراق المالية والأسهم والسندات والكمبيالات وخطابات الاعتماد، أو أية فوائد أو أرباح عوائد من هذه الأموال أو القيمة المستحقة منها أو الناشئة عنها. كما تشمل الأموال المنهوبة أموال الدولة المستحقة من الضرائب أو الرسوم الجمركية التي تهرب عن سدادها الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية بطرق غير قانونية. ويضاف اليها الأموال الناتجة أو العائدة بطريق مباشر او غير مباشر من ارتكاب اي جريمة من جرائم الفساد المنصوص عليها في القوانين المعمول بها في العراق واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وحيث ان اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد
قد منحت منظمات المجتمع المدني الدور الفاعل في سياسات والإجراءات الحكومية المتعلقة بمكافحة الفساد،هنا تبرز الحاجة الى مبادرة شعبية تقودها منظمات المجتمع المدني لإسترداد أموال العراق المنهوبة يتم من خلالها بالاعتماد على جهود الجاليات العراقية المنتشرة في اوربا وامريكا وباقي دول العالم لممارسة الضغوط على الدول الأجنبية لدفعها للتعاون مع العراق ومن خلال الخطوات التالية :
1. تشكيل لجان تنسيقية في ابرز الدول التي تتواجد فيها الاموال والاصول والمنهوبة وتتعاون تلك اللجان مع بعضها في تبادل المعلومات عن اماكن تواجد المتهمين بنهب الاموال واي معلومات مالية تخصهم وتخص عوائلهم شاملة ارصدتهم البنكية والاموال المنقولة وغير المنقولة المسجلة باسمائهم وباسماء ابنائهم وزوجاتهم واقاربهم حتى الدرجة الثالثة .
2. تضييق الخناق علي اللصوص ليس فيداخل العراق فقط حيثيمتلكون كل السلطات وتدعمهم احزاب متنفذه ،وإنما فيالأماكن التييهربون إليها أموالهم.حيث تسقط ايحصانات سياسية او دبلوماسية يتمتع بهامهرب الاموال .
3. اقناع الجاليات العراقية في الخارج لتقديم بلاغات الىالمدعيالعام فيكل دولة اوربية حيث ان منظمة الشفافية الدولية وهيمنظمة دولية تضع خارطة شاملة للفسادبإمكانها توفير الخبرة القانونية لهذا الموضوع واستخدام القانون الاوروبي فيمحاكمة ناهبي المال العام ويمكن ان تتم بموجب تلك البلاغات مصادره هذه الاموال اولا ثم منع الفاسدين من الدخول اليالدول الأوروبية خاصة وان عدد من هؤلاء موجودين فيدول أوروبية حاليا.
4. ملاحقة الشركات الاجنبية التي قامت بدفع رشاوى او منافع خاصة لمسؤولين عراقيين مقابل الحصول على عقود عمل داخل العراق واجبارها على الاعلان عن تلك الرشاوى ةتهديدها بالوقوع تحت طائلة العقوبات الدولية ضمن اطار برنامج حوكمة الشركات التابع للبنك الدولي.
5. ممارسة الضغوط الاعلامية في العواصم الأوروبية لإعادة الأموال وتسليم الاشخاص المتعمين بتهريب ونهب تلك الاموال
6. التعاون مع ممثلي منظمات حقوقية في أمريكا واوربا لمحاصرة حركة نلك الاموال وفضح الاشخاص الذين قاموا بتهريب تلك الاموال حتى وان كانوا من حاملي جنسيات تلك الدول
7. الاتصال مع ممثلي وزارات العدل والخارجية وممثلي منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية في كافة دول العالم لشرح ابعاد الجهود العراقية لاسترداد الاموال المنهوبة .
8. استعمال كل السبل القانونية والسياسية للمطالبة بإرجاع تلك الأموال .
ان تلك المبادرة الشعبية يجب ان تتجاوز الاطار الذي رسمته المنظمات والدولة المانحة لمنظمات المجتمع المدني والذي لايتجاوز اقامة دورات يتم من خلالها دراسة مسائل نظرية وقوالب جاهزة رسمت لظروف ودول قد لاتتطابق مع الظروف العراقية والانتقال الى التعامل مع مسائل عملية واجراءات ميدانية يكون لها اثر مباشر . كم يجب الضغط على الحكومة لتجاوز عدم جدية
الحكومة بالتعاون والشراكة الحقيقة مع منظمات المجتمع المدني المعنية في مكافحة الفساد. وخصوصا ان منظمات المجتمع المدني هي اللاعب الأنسب لأدوار الضغط والمطالبة والمتابعة لسبل تطبيق الاتفاقيات والمبادرات الدولية والتشريعات المحلية المعنية بمكافحة الفساد، ناهيك عما يمكن أن تلعبه من أدوار ريادية في المجال التوعوي والإعلامي للتعريف بنصوص التشريعات والمبادرات، وحشد الرأي العام الداعم والمناصر لها.
مقالات اخرى للكاتب