وان وانا اراقب مايجري في العراق اليوم لاجد انه بالرغم من كل مايشاع عن حقيقة شهادات الدكتوراه التي يحملها سياسيونا سواء تلك التي صدرت عن جامعات لم يسمع بها احد او غير معترف بها حتى في بلدانها او تلك التي صدرت من مكتب (الدكتور شلاكة ) بطل مسلسل عادل امام الشهير الا انهم يستحقون وبجدارة ان يمنحوا ماهو اعلى من شهادة البكلوريوس التي ذكرها علي سالم فهم يستحقون وبجدارة شهادة الدكتوراه ولكن ليس في الحكم بل في خداع الشعوب .
فقد اثبتت الاحداث التي مرت خلال الفترة الماضية من عمر الحكومة ان المجموعة الحاكمة توصلت إلى معرفة متقدمة بشخصية الفرد العراقي نفسيا وبدنيا مع التركيز على معرفة الجانب العاطفي من الشخصية العراقية مما يجعل للحكومة سيطرة وسلطة على الأفراد أكثر مما لهم أنفسهم . هذا الجانب يجب ان يعترفوا بانهم استفادوا كثيرا من الدروس التي خلفها لهم النظام البعثي قبل 2003 . ذك النظام الذي ركز على تحطيم الروح اكثر من تحطيم المباني حتى اصبح هم الفرد العراقي انتظار الحصة التموينة اكثر من اهتمامه بالمطالبة بابسط الحقوق التي يتمتع بها اي شعب من شعوب العالم . وفي هذا الاطار يتم التركيز على الطبقات الاجتماعية التي تم سحقها وتهميشها من قبل الانظمة السابقة بحيث تتم المحافظة على هوة الجهل والتخلف التي تسمح لعنصر العاطفة بالتغلب على عنصر الادراك والمنطق وذلك من أجل غرس أفكار، رغبات، مخاوف، ميولات، أو سلوكيات.
لو تركنا ماحدث منذ عام 2003 ولغاية 11 اب 2014 لنركز على كيف تمكن السياسيون من التلاعب بالشعب العراقي وخداعه للاستمرار في حلب اخر قطرات الضرع العراقي والاستمرار في الاحتفاظ بالكراسي التي وصلوا اليها في غفلة من الزمن والتاريخ لو جدنا ان اول خطوة في خداع الشعب كانت في اقناع الناس بان ماحصل بعد انتخابات عام 2014 من تغيير في الوجوه والمواقع هو تغيير حقيقي وجاء استجابة لرغبات الشعب واستجابة لنداءات المرجعية الرشيدة التي كانت تنادي بالاصلاح ليتبين منذ اللحظة الاولى ان عملية التغيير لم تكن سوى تحويلة مؤقته لأنظار الرأي العام عن المشاكل الهامة قررتها النخب السياسية والاقتصادية باطلاق شحنة كبيرة من الإلهاء اللازم لمنع الجمهور من الاهتمام بالمشاكل الحقيقية التي تمثلت بالفساد الخطير الذي غرقت فيه تلك النخب والذي ادى الى ضياع ثلث مساحة العراق وحوالي تريليون دولار امريكي ذهبت في جيوب الفاسدين والسماسرة لتتحول الى ارصدة وعقارات خارج العراق بالاضافة الى عمليات زرع الشعر والتجميل والتكبير والتصغير لوجوه ومؤخرات السادة والسيدات من السياسيين.
كانت الخطوة التالية هو اللعب على وتر العاطفة من خلال توجيه الانظار الى مسأويء الحكومات السابقة متناسين ان نفس الوجوه الحاكمة حاليا كانت جزء من الحكومات السابقة ولكن كان التركيز على ان
يكون شخص واحد هو المسئول الوحيد عن المصائب التي حلت بالعراق بحيث يتم توجيه الغضب الشعبي الى ذلك الشخص بدل الانتفاض ضد النظام ككل لكل رموزه واي دعوة الى الاصلاح او التنبيه الى الحقيقة تصبح متهمه حكما بانها محاولة للدفاع عن ذلك الشخص مما يخلق حالة من الضبابية التي تنتج بين الفعل واللافعل مما يحبط اي جهد اصلاحي حقيقي .
بعد اجتياز اول مرحلة من عملية الخداع والالهاء بدأت المرحلة الثانية من الخطة عن طريق خلق المشاكل وايجاد الحلول لها فكانت البداية في خسارة الانبار بعد ان كان الغضب الشعبي متجه الى محاكمة من تسببوا في ضياع الموصل وصلاح الدين ومجزرة سبايكر فوجيء الشعب بخسارة الانبار وبقطعان داعش تطرق ابواب بغداد مما خلق لدى الناس حالة من الخوف والقلق والذعر الدائم بما يسهل تمرير أي فكرة إلى عقولهم حتى وإن بدت هذه الفكرة لا منطقية ولا عقلانية ، بحيث يصبح القيام باجراءات معينة على حساب خسارة الشعب لجزء من حقوقه مطلبا شعبيا ويصبح فقدان الخدمات وبيع المال العام ورهن ثروات البلد افعال مقبوله شعبيا للتصدي للخطر الارهابي بالاضافة الى خلق ازمة اقتصادية تسمح بتقبل تراجع الحقوق الاجتماعية .
وفي هذا السياق يمكن ان نلاحظ كم الاخبار التي تتحدث عن وجود أخطار مقبلة وتمدد داعش وقوته التي تهدد البلاد والعباد وعن الارهاب والازمة الاقتصادية ليصبح الشغل الشاغل للمواطن العراقي هو البحث عن ماوى خارج العراق لتأمين اطفاله وعائلته او القلق من انقطاع رواتب الموظفين والتركيز على ان البلد يحتاج إلى استقرار لمواجهة تلك الازمات . وخير دليل على ذلك موضوع الرواتب واحتمال انقطاعها ففي يوم يصدر وزير المالية تصريحا ليصدر في اليوم الثاني تصريحا يناقضه من رئيس الوزراء .
مع ازدياد ضغط الجماهير احتجاجا على ماوصل اليه العراق من تدهور على كافة المستويات والاصعدة عمدت النخب السياسية الحاكمة الى سياسة التقهقر والتراجع لتوحي للجماهير بانها استجابت لمطالبها وكلنا في هذا السياق نتذكر مهزلة الاصلاحات التي كانت في ظاهره جميلة الصياغة حلوة المنظر وعملت الماكنة الاعلامية الحكومية على تسويقها باعتبارها نصر حققته الجماهير ضد الفساد انطلق من رحم الشعب وعائده للشعب وللاسف انطلت تلك الخدعة المهزلة على الجماهير حتى ان استطلاعات الراي التي اجرتها العديد من المراكز المتخصصة اظهرت ارتفاع غير مسبوق للتأييد الجماهيري للحكومة . ذلك التأييد والموجه العارمة من الفرح ادى الى قيام الجماهير باقتحام مجالس المحافظات والقائمقاميات لطرد من تراهم الجماهير عناصر فاسدة لذلك كان يجب ان يتم امتصاصها لذلك تم اللجوء الى اسلوب التسويف والتأجيل بداعي ان اي اجراء يحتاج الى زمن للقيام به وماكان ذلك الا مناورة لفت عضد المتظاهرين المطالبين بالاصلاح . اتت تلك السياسات بأكلها وكلنا نتذكر كيف ان التظاهرات التي بدأت بالالاف من العراقيين وحظيت باهتمام العالم تحولت الى تجمعات لايتجاوز عدد المشاركين فيها بضع العشرات . وظهرت هناك اصوات تدعو الى التمهل واعطاء السياسين الفرصة لاصلاح النفس باعتبار ان الوطن يتعرض لهجمة ارهابية شرسة وان على الجميع ان يتضامن لصد خطر الارهاب وان اي صوت يظهر للاعتراض هو صوت مدفوع الثمن وعدو للوطن .
مع ظهور بوادر الازمة المالية والاقتصادية بدأ الاصوات تتعالى من جديد للاعتراض على الفساد وانعدام الكفأة وخصوصا مع استمرار تمتع الطبقة السياسية الحاكمة بكافة الامتيازات والمنافع التي حصلت عليها وعدم استعدادها للتخلي عنها تحت اي ظرف لذلك كان لابد من تحميل عبء الازمة على اكتاف الجماهير جعل الفرد يشعر أنه هو المسئول الوحيد عن شقائه، بسبب نقص ذكائه، قدراته أو مجهوداته. وهكذا، بدل الانتفاض ضد النظام الاقتصادي، يشعر الفرد بالذنب، ويحط من تقديره الذاتي . فعلى سبيل المثال في موضوع الرواتب والمخصصات الممنوحة لاعضاء الحكومة والنواب والرئاسات الثلاث يمكن ان نلاحظ اللجوء الواضح الى استخدام لغة صبيانية جدا، غالبا ما تكون اقرب إلى التخلف العقلي، كما لو كان الجمهور الذي يتم توجيه الخطاب له عبارة عن مجموعة من الاطفال او المعاقين ذهنيا ففي اخر وثيقة ظهرت في هذا الموضوع تشير الى تخفيض رواتب رئيس واعضاء مجلس النواب مثلا فالعنوان والسطر الاول من الوثيقة يشير الى تخفيض بنسبة 45% ولكن الفقرة الثانية تمنح مخصصات بنسبة 100% لحملة شهادة الدكتوراه حتى وان كانت شهادة الدكتوراه من جامعة غير معترف بها وهي كثير هذه الايام كما ان الوثيقة لم تشير الى مبلغ 30 مليون دينار يستلمه النائب شهريا كرواتب للحمايات سواء كان لديه هذا العدد ام لا وكذلك الى مخصصات الاسكان والتنقلات والملبس والعلاج والسفر الذي يستلمها النائب شهريا بالاضافة الى المنح والعيديات والسلف الذي يمنحها ومنحها المجلس لاعضائه بالاضافة الى مايتمتع به اعضاء مجلس الوزراء وحاشياتهم من امتيازات . ان الاعلان عن تلك المسرحية هي تبرير تحميل المواطن الاعتيادي عبء الضرائب والرسوم لسد الازمة الاقتصادية دون المساس بامتيازات النخب السياسية وجعل ذلك العبء عبر اجراءات تدريجية وغير واضحه بدليل انه لايوجد موظف عدا القيادات العليا يعرف كم سيقبض راتبا في نهاية الشهر وماهي بالضبط الاستقطاعات والرسوم التي ستفرض عليه بل ان الامر وصل الى قيام بعض الجهات بتوزيع رواتب وبعدمرور اشهر يتم استقطاع الاجور باثر رجعي فبهذه الطريقة يتم فرض ظروف سوسيو-اقتصادية جديدة تتجتمع فيها بطالة مكثفة، هشاشة اجتماعية، مع أجور هزيلة مما يجعل المواطنين منصرفين عن متابعة المطالبة باقل الحقوق المشروعة والاكتفاء بانتظار مكرمات القيادة .
من ناحية اخرى فان معدة الفساد لايمكن سدها ولايمكن ان تصل الى مرحلة الشبع لذلك لابد من استمرار اوجه الصرف ليستمر شريان النهب يوفر الاموال ولذلك يتم تقديم بعض المشاريع باعتبارها شر لا بد منه وكلنا يتذكر كيف كانت ردة الفعل الشعبية والسياسية عنيفة ضد مشروع اقرار التمويل بالاجل الذي حاولت الحكومة السابقة تمريرة ووقف الجميع ضدة حتى بعض شركاء الحكومة ولكن الان نرى ان النخب السياسية تسير في هذا الطريق باعتباره شر لابد منه عبر الحصول على موافقة الرأي العام في الوقت الحاضر من أجل التطبيق في المستقبل في محاولة لمنح الجماهير امل كاذب بمستقبل أفضل وإن التضحية المطلوبة قد يتم تجنبها. وأخيرا، هذا من شانه أن يترك الوقت للجمهور للتعود على فكرة التغيير وقبولها باستكانة عندما يحين الوقت.
احدث ماتوصلت اليه تلك العقول الجبارة هو سيناريو (حكومة التكنوقراط) وهو كلام يصدق عليه قول الامام علي عليه السلام "كلمة حق اريد بها باطل" فالجميع الان مشغول بترديد نغمة حكومة التكنوقراط والجماهير تنادي بها في الشوارع والمرجعيات على المنابر ولكن لم يتم منح اي شخص الفرصة ليتسأل المقصود بالتكنوقراط؟ ومن هم ؟ هل ان كل من خدم خلال الفترة السابقة منذ عام 1958 ولغاية اليوم في دائرة حكومية يعتبر ضمن تلك الشريحة ؟ هل كل من حمل شهادة الدكتوراه ومااكثرهم اليوم ينطبق عليه ذلك
الوصف ؟ هل يمكن لمن كان جزء من المشكلة ان يكون هو الحل ؟ هل يمكن لمن ساهم في الفساد ان يختار شخص يمكن ان يحارب الفساد ؟ كلها اسأله لانجد لها اجابة سوى ان تلك النكته هي وسيلة اخرى من وسائل خداع الشعب .
بعد هذا كله الايستحق من اشرف على هذه السيناريوهات درجة الدكتوراه في خداع الشعوب . مهما كان الجواب فنقول له على الرغم من إمكانية خداع الجماهير واستغلالها وقد يستمر هذا لفترات إلا أن قوانين علم النفس وقوانين الجماعات تؤدي لا محالة إلى حالة من اليقظة تم غضبة الجماهير وهي حين تغضب تتحرك ككرة تلج تتدحرج من أعلى الجبل في البداية تبدأ في البداية تبدو صغيرة لكن سرعان ما تبدأ في الكبر شيئا إلى أن تبدأ في تدمير كل ما يقف في طريقها.
مقالات اخرى للكاتب