ما ان انطلقت شرارة الاحتجاجات الشعبية في كافة مدن العراق ضد الفساد الذي ضربت اطنابه في كافة مفاصل الحكومة العراقية وضد انعدام الخدمات والبطالة التي عمت كافة مدن العراق حتى ظهرت الحكومة بحزمة وعود وتصريحات طنانة تعد باصلاح الحال واعادة لكل ذي حق حقه ومحاربة الفساد وترشيق الحكومة وان يكون التعيين على اساس الكفأة والقدرة واستنادا الى القانون وتخفيض الانفاق الحكومي واصلاح القضاء واعادة بناء المؤسسة العسكرية على اساس الكفأة ومعاقبة المتخاذلين والمتسببين بهزيمة الموصل والثأر لضحايا سبايكر وقائمة طويلة من الوعود المعسولة التي اعطت الامل لمن اعتاد ان يخدع بالكلام المعسول بان الاصلاح قادم وان غدا سوف يكون افضل من الامس . الان وبعد تسعة اشهر من تلك الوعود وتلك الحزم الاصلاحية لنرى ماذا تحقق وهل حقا هناك اصلاح او على الاقل هل هناك ارادة حقيقية للاصلاح ؟
سوف نراجع الحزمة الاساسية من الاصلاحات التي اعلنها السيد رئيس مجلس الوزراء لنرى مالذي تحقق من تلك الاصلاحات. والسؤال الاهم هل كان هناك من الاساس ارادة حقيقية للاصلاح ام انها كانت طريقة لامتصاص الغضب الشعبي وتخدير الجماهير التي خرجت مطالبة بالاصلاح .
تركزت اولى الاصلاحات على تقليص شامل وفوري في اعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة بضمنهم الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة والمدراء العامين والمحافظين واعضاء مجالس المحافظات ومن بدرجاتهم ، ويتم تحويل الفائض الى وزارتي الدفاع والداخلية حسب التبعية لتدريبهم وتأهيلهم ليقوموا بمهامهم الوطنية في الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين. وبمراجعة بسيطة لتلك الاعداد نرى ان الذي حصل فعلا هو زيادة تلك الاعداد فبالاضافة الى اعداد الحمايات التي كان يتمتع بها المسؤولون السابقون تم اضافة اعداد جديدة للسادة المسؤولين الذين تم تعيينهم والضباط الذين تم ترفيعهم بالاضافة الى احتفاظ المسؤولين الذين تركوا مناصبهم بحماياتهم كاملة .
النقطة الثانية في قائمة الاصلاح ركزت على الغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين منهم حسب تعليمات يصدرها رئيس مجلس الوزراء تأخذ بالاعتبار العدالة والمهنية والاختصاص . وبمراجعة بسيطة للموازنة التي اقرها مجلس النواب وصادق عليها السيد رئيس الجمهورية نجد ان تلك المخصصات لم يتم تخفيضها بل انه تم استعمال طريقة في اخفائها عن الانظار باعتبارها من الاقسام التي لم يعلن عنها من الميزانية وتمت مناقشتها بجلسات مغلقة ولم يتم نشرها فقط لاخفائها عن الانظار .
كان موضوع التعيينات والمحاصصة السياسية والترشيحات للمناصب على اساس الحزبية والعائلية في مقدمة الشعارات التي خرج الناس من اجلها محتجين على تعيين غير الكفؤين في مناصب الدولة لذلك اعلن السيد رئيس مجلس الوزراء في حزمة اصلاحاته على انه سيعمل على أبعاد جميع المناصب العليا من هيئات مستقلة ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين عن المحاصصة الحزبية والطائفية ، وتتولى لجنة
مهنية يعينها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين على ضوء معايير الكفائة والنزاهة بالاستفادة من الخبرات الوطنية والدولية في هذا المجال واعفاء من لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة. ولكن ماتم من تعيينات في الهيئات المستقلة والمناصب العليا يؤكد على انه تم بعيدا عن اي اساس من الكفائة او النزاهة فنرى ان من تم تعيينهم على راس الهيئات المستقلة هم من النواب السابقين الذين رفض الشعب اعادة انتخابهم ليتم تكريمهم على رفض الشعب لهم بوضعهم لرئاسة الهيئات المستقلة اما بقية النواب السابقين الذين رفضهم الشعب ولم يعطيهم اصواته فنراهم يكرمون بمواقع مستشارين لرئيس مجلس النواب او مستشارين لرئيس الجمهورية او مستشارين لرئيس مجلس الوزراء اما الاقل حظا فقد تم تعيينهم مستشارين في وزارة الخارجية . اما قائمة التعيينات في السفارات العراقية والقنصليات والممثليات في الخارج فهي حكرا على عوائل السادة المسؤولين من ذوي الدماء الزرقاء فمن المعلوم ان التعيين في الممثليات العراقية لايتم الا بعد ان يقضي الموظف ثلاث سنوات في مقر وزارة الخارجية بعد التعيين ثم يتم تحويله الى السلك الدبلوماسي ليجتاز دورة في معهد الخدمة الخارجية الا ان 90 بالمائة من التعيينات كانت لابناء المسؤولين الذين حتى لم يزوروا العراق ولو زيارة سريعة رفعا للعتب . اما التعيينات في بقية الوزارات فتعتمد على مدى قرب الشخص من الحزب الحاكم في الوزارة .
من النقاط التي حظيت باكبر قدر من السخرية الشعبية هو موضوع ترشيق الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة في العمل الحكومي وتخفيض النفقات. تم تنفيذ هذه النقطة الاصلاحية عن طريق الغاء ثلاث وزارات ودمجها في وزارات اخرى ولكن الوزراء الذين تم ترشيق وزاراتهم احتفظوا بكافة امتيازاتهم ومخصصاتهم ورواتبهم وحماياتهم اما الموظفين الذين كانوا يعملون في تلك الوزارات فتم نقلهم بكافة رواتبه ومخصصاتهم ومناصبهم الى الوزارات الجديدة ولم يتم تحقيق اي ترشيق في هذا المجال بل ان المفارقة العجيبة ان يتم منح ثلاثة مناصب هم السادة مدراء مكاتب الرئاسات الثلاث درجة وزير مع ماتشمله الدرجة من امتيازات ومخصصات كما تم منح السيد رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار درجة وزير اي ان الحكومة رشقت ثلاث وزراء واضافت اربعة وزراء.
كانت النقطة المتعلقة بالغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء من اكثر النقاط غموضا فلحد هذه النقطة نجد ان السادة نواب رئيس مجلس الوزراء يمارسون عملهم في مكاتبهم ومواقعهم الاليكترونية مازالت تشير الى منصب نائب رئيس الجمهورية بل ان حتى رحلاتهم العلاجية تمر عبر المراسم الخاصة برئاسة الجمهورية وبالرغم من قرار المحكمة العليا الخاصة بهذا الموضوع لم تخرج لنا الحكومة بتفسير مقنع لما يجري بخصوص تلك المناصب .
كانت النقطة الخاصة بفتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت اشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تتشكل من المختصين وتعمل بمبدأ (من اين لك هذا)، ودعوة القضاء الى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين من النقاط التي اعلنها السيد رئيس مجلس الوزراء في برنامجه الحكومي في اول يوم تولى فيه منصبه بصورة رسمية . وبجردة بسيطة لما تم طوال الفترة المنصرمة من عمر الحكومة الحالية نجد ان الملفات التي تم فتحها لم تتعدى الدعاية الاعلامية فلا فاسد حكم عليه ولا ملف عرفنا مصيره بل ان الملف الذي فتح بحق وزير التجارة الحالي كان من المضحك المبكي
فالوزير يمارس عمله وعليه امر بالقاء القبض ثم يغادر العراق عن طريق صالة الشرف في مطار بغداد ويتم توديعه رسميا ليصدر عليه حكما غيابيا وهذه مفارقة لم تحدث حتى في جزر الواق واق .
هذه كانت جردة سريعه للحزمة الاولى من الاصلاحات التي تم الاعلان عنها وبالطبع سوف يخرج من يقول لماذا لم تذكر تحرير الانبار وصلاح الدين نقول ان من ينكر الانجاز الذي حققه ابناؤنا في قوات الجيش ومكافحة الارهاب والفرقة الذهبية والحشد الشعبي هو خائن لايستحق ان يشم هواء العراق ولكن يجب ان ياتي يوم ويفتح ملف كيف ضاعت الموصل والانبار وصلاح الدين ومن هو البطل الحقيقي في تحرير صلاح الدين والانبار التي مازالت تعاني من هجمات داعش واخواتها ولكن حتى ذلك الحين يمكن ان نقول للمواطن العراقي للاسف خدعوك فقالوا اصلاح .
مقالات اخرى للكاتب