لذي يحدث في عالم اليوم من حوادث متتالية وأنباء متعددة ومتكررة عن القتل والحروب والتي يذهب ضحيتها المئات يومياً من الأبرياء والذين لاناقة لهم ولاجمل بمثل هذه الصراعات، فضلاً عن تزايد أعداد الفقراء والمشردين واللاجئين، جميعها أمور مؤلمة وتحزفي كل نفس تشعر بالإنسانية والتعاطف مع الإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده، فالإنسانية مطلب وحاجة، وكم رأينا شعوباً وأمماً كانت ترفل في النعيم وتباهي بالاستقرار، وضحت بكل هذا من أجل مطالب وشعارات مثل الحرية وتداول السلطة وغيرها من الشعارات البراقة، وكانت النتيجة أنه حدث انفصام قاس في المجتمع الواحد، وبالتالي حروب بين تيارين أو تيارات متعددة، أحرقت الأخضر واليابس ودمرت المقدرات وكل مقومات الحياة السليمة.
أعود لأستذكر الجانب الذي أجمع عليه معظم العلماء في سلم الاحتياجات الإنسانية نجد أن أول ما يتصدرها هو الأمن، هو سلامة النفس، الآباء والأجداد المؤسسون لأي مجتمع يدركون هذا السر ويعرفون معنى الاستقرار والأمن، فهم عاصروا الحروب والنكبات ويدركون حجم فاتورة فقدان الأمن والأمان، لذا تجدهم أكثر التصاقاً ومنافحة ودفاعاً عن كل ما يمس وحدة المجتمع وكراهية لكل رأي فيه مطالبات ودعوات، رغم أن مثل هذه المطالب حقيقية ومشروعة وقد تكون أيضاً رأياً لا أكثر، إلا أنهم يعادونها لأنهم ومن خلال خبراتهم الحياتية الطويلة يحسبون أن مثل هذه المطالب ورغم مشروعيتها قد تحمل نيات أخرى تستتر بمثل هذه المطالب ولكن لها غايات أعظم وطموحات قاتلة أكبر فيستغل الوضع لزرع الفتنة.
في العموم فإن المخاوف مبررة وأثبتت الأيام صحتها وواقعيتها، في أحيان كثيرة يفتقر الجيل الجديد لمثل هذه الرؤية، بل لا يدرك معنى فقدان الأمن، وخسارة الاستقرار، وهذا الجهل يجعلهم مندفعين خلف كل صوت نشاز يريد الشر ببلاده وأهله.
لن أذهب بعيداً ففي فوضى الربيع العربي، ظهر هذا الجانب وشاهدنا كل هذا الاندفاع، والأسباب مفهومة، إنها لرفع الظلم ونشر العدل وتحسين الاقتصاد وإيجاد وظائف ونحوها من المثل والقيم الحياتية التي يحتاجها الجميع، ولكن لدينا مثال لمجتمع أو اثنين دمرا تماماً، مع فاتورة هائلة من الديون، وسيل من الدماء أريق، والتنمية منهارة وتدهور للاقتصاد وتشريد للنساء والأطفال وقد باتوا لاجئين، توقفت الأعمال والوظائف وبات الصوت الأعلى للرصاص، فهل هذا الذي كان مقصوداً بالربيع العربي؟ هذا جميعه .. ونحن نعلم أن العنف والقتل في تاريخ الإنسانية لم يجلب الرخاء أو يبني حضارة.