في أوساطنا نلاحظ شباباً وفتيات في مقتبل العمر، وهم مندمجون في استخدام التقنيات الحديثة من أجهزة الاتصال الذكية، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، بل واستخدام شبكة الإنترنت على نطاق واسع حتى باتت جزءاً من يومهم، وباتت مرافقة لهم أكثر من الماء والغذاء، وكأنها الهواء الذي يتنفسونه.
يرافق هذا الميل الشديد نظرة يشوبها كثير من الأخطاء من بعض الأسر والمربين عن أخطار وأضرار إدمان مثل هذه التقنيات، فالبعض من الآباء والأمهات يعتقدون أن هذا الميل الشديد نحو التقنية الحديثة هو نجاح وتميز لطفلهم وهو مؤشر لتفوقه على أقرانه، والبعض الآخر يعظمون هذه الوسائل ويعتبرونها هي لغة وأساس المستقبل، وفي المجمل لا يمكن إلقاء مثل هذا الكلام بعمومية ومن ثم تصديقه، لأن الحياة ليست هاتفاً ذكياً متصلاً بشبكة الإنترنت ومحملاً في نظامه عشرات من برامج التواصل الاجتماعي.
الحياة تجارب وعلوم وخبرات، بل إن هذه الأجهزة تجعل من طفل اليوم ورجل الغد شديد الانطوائية ضعيف في التواصل مع الناس قليل الخبرات لا يتقن فنون الحديث ولا يمكن الاعتماد عليه، وفضلاً عن دراسات علمية نشرت في هذا الجانب وتحذر من سطوة هذه التقنيات وأثرها البالغ والكبير على عقول النشء.
بين يدي عدة قصص لأمهات يشكون من أطفالهن وانطوائيتهم، فهذه صديقة تقول إن ابنها تجاوز الواحدة والعشرين من العمر، ورغم هذا ليس لديه إلا صديق واحد فقط، وهو يقضي معظم وقته على الألعاب الإلكترونية، سواء على الهاتف أو على الكمبيوتر، وتضيف قائلة: «أنا والله السبب في حالة ابني، فقد كنت أشغله، وهو صغير بالألعاب الإلكترونية حتى أدمنها، وعندما انتشرت الهواتف الذكية وجدها فرصة للمزيد من الانطوائية».
هذا الشاب الذي كان بالأمس، طفلاً لم يتم تأسيسه بشكل صحيح لقد وجدت هذه الصديقة فرصة ليصمت بإشغاله بمثل هذه الألعاب ورأينا كم هي تتحسر وتندم، بالنسبة لي أؤكد أن مثل هذا الشاب يحتاج لعلاج متخصص على يد معالج نفسي، يبدأ معه في وضع برنامج اجتماعي، لإعادة دمجه في محيطة وبيئته، تمهيداً لنقله ليندمج في المجتمع، وأجزم أن كثيراً من البيوت لديها أبناء أو بنات عندهم مثل حالة ابن صديقتي.
أعود لتأكيد أن هذه التقنيات وسائل لتخفيف توتر حياتنا، لتخدمنا وليس من أجل أن تمزقنا وتجلب لنا ولأحبتنا الأمراض، ولن تكون أداة ضرر لنا إلا إذا أسأنا الاستخدام. -