على غرار برنامج اذاعة بغداد "من كصيد البادية" ايام زمان في توظيف "الكصيد " اي الشعر في تعزيز الوحدة الوطنية و تاكيد التفاف الجماهير حول القيادة الحكيمة ، دعت مستشارية المصالحة الوطنية ، عددا من الشعراء العرب لزيارة العراق ونظمت لهم جولات ميدانية في مختلف المحافظات لزيارة المراقد الدينية والمواقع السياحية ، وقد تندرج الدعوة ضمن اطار تبادل الخبرات في تحقيق السلم الاهلي ، والافادة من جهود الشعراء العرب في توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية ، وحث المجاميع المسلحة على نبذ السلاح واعلان الايمان بالتجربة الديمقراطية بطريقة "من كصيد البادية".
منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي ، قررت وزارة الاعلام وقتذاك اقامة مهرجان المربد ، بعد توقف استمر سنوات على خلفية غزو الكويت ، واقتصرت المشاركة على شعراء عرب غير معروفين ، وجاء من موريتانيا عشرات الشعراء ، وفي جلسة الافتتاح في قاعة ابن النديم في المكتبة الوطنية ، صعد شاعر موريتاني الى المنصة ، وقال مخاطبا الحضور
" اهدي قصيدتي الى مغاتلي الخفاجية " يقصد مقاتلي الجيش العراقي الذين شاركوا في ما كان يعرف بمعركة الخفاجية في الخامس من الشهر الاول من عام 1981 ، استقبل الحاضرون الاهداء باستغراب ، وضحك، وتعليقات ساخرة ، وبعضهم ترك القاعة ، لان الشاعر الموريتاني ،ذكرهم بحادث لم يعد يحظى باهتمام حتى شعراء ام المعارك .
صاحب قصيدة "مغاتلي الخفاجية " كان يعتقد ان الحرب العراقية الايرانية مستمرة ، وبعض ابياتها كانت تشير الى ذلك ، وتقصد قراءتها اكثر من مرة بحماسة ، مستخدما لغة الاشارة لحث الصناديد على بذل الغالي والنفيس دفاعا عن البوابة الشرقية ، مترقبا من المسؤولين الجالسين في الصف الاول من القاعة ، ردود افعالهم ، للحصول على مكرمة سخية او نوط شجاعة تقديرا لموقفه القومي .
معظم القوى السياسية اعلنت وفي اكثر من مناسبة ان عمل مستشارية المصالحة لا يتعدى اقامة الولائم والعزائم وعقد مؤتمرات موسمية تؤكد فيها انضمام فصيل مسلح للعملية السياسية ،
وعلى حد تصريح نائب في القائمة العراقية فان زعيم الفصيل بعد ان يضمن الحصول على منصب ، يطالب بمنحه مخصصات ايفاد لزيارة عواصم عربية للقاء معارضين من اجل ان يتخلوا عن مواقفهم السابقة ، لكي" ينخرطوا " في العملية السياسية استجابة لمشروع الحكومة في تحقيق المصالحة الوطنية ، وبعد "الانخراط " يبذل الجميع الجهود الوطنية الجبارة في برنامج "من كصيد المصالحة" .
المعترضون على اداء مستشارية المصالحة لا ينظرون الى حجم التحديات والعقبات التي تعرقل عملها ، وهي كثيرة ، وفي مقدمتها ان بعض الفصائل المسلحة ترفض التخلي عن السلاح ، ولاتؤمن بالديمقراطية ، لارتباطها بتنظيمات ارهابية ، وهذه المجاميع المتورطة بارتكاب جرائم ليس لديها الاستعداد لسماع كصيد البادية والمصالحة.
مقالات اخرى للكاتب