السياسيون كغيرهم من البشر، تتفاوت قدراتهم العقلية بين شخص وآخر ، وليس بالضرورة ان يمتلك زعيم الحزب او عضو مجلس النواب ، او المسؤول الحكمة والذكاء الخارق فيحظى بتأييد جماهيري واسع ، وتعلق عليه الآمال لتجاوز الأزمات ، وحل المشاكل ، ومنها على سبيل المثال حماية الوطن من الاعتداءات الخارجية والداخلية .
في المنطقة العربية ، فان المصادفة في بعض الأحيان تصنع السياسيين ، وللقوى الخارجية الدور الأهم في تسويقهم ، وجعلهم يحتلون واجهة المشهد السياسي ، فيما ينحسر حضور الأحزاب ذات التراث النضالي ، المعروفة بتضحياتها الكبيرة ، فيكون وجودها خارج المشهد ، لفقدانها التمثيل في المجلس النيابي ، والسلطة التنفيذية ،والحياة السياسية في العراق بعد الغزو الأميركي أفرزت حالة واحدة هي الصراع على السلطة ، على الرغم من ادعاء جميع الأطراف التمسك بالدستور لضمان إقامة نظام ديمقراطي .
يقال ان سلوك السياسي هو انعكاس طبيعي لعقله ، فصاحب العقل المنفتح ، يمتلك الرغبة في الحوار مع الآخر، ولديه استعداد التفاوض مع المعارضين والخصوم ، وهو اقرب لتسوية خلافاته مع هؤلاء، انطلاقا من إيمانه بان الخلاف لا يخدم مصالح الطرفين، اما صاحب العقل المنغلق وخاصة عندما يكون في منصب كبير بالدولة فغالبا ما يلجأ الى التصعيد ، يضطر الى استخدام السلاح في التعامل مع خصومه وحتى شركائه ، فيعطي صورة ثلاثية الأبعاد ، عن حالة الجنون ، ونتيجة مواقفه وممارساته يدفع البلاد الى منزلق خطير ، فيحول الهزائم الى انتصارات ، والأزمات والنكبات الى مكاسب ومنجزات ، مسخرا الإعلام الرسمي لتحسين صورته بوصفه القائد الرمز ، صاحب القدرات الخارقة في بناء الدولة .
هل يحتاج العراق اليوم الى عقول مستوردة لحل ازماته ؟ الإجابة على هذا السؤال ، تبدو صعبة جدا فواقع الحياة السياسية يشير الى وجود صراع على السلطة ، على الرغم من وجود نص في الدستور يؤكد تداولها سلميا ، ويوم أعلنت القوى العراقية مشاركتها في العملية السياسية بات عليها احترام الدستور لأنه المرجعية الوحيدة المتاحة لتجاوز الأزمات وفي مقدمتها تراجع الأوضاع الأمنية بشكل مخيف ، واي حديث خارج هذا الاطار ينطلق من عقل منغلق ، ومهما قيل عن الدستور العراقي بانه مازال يحتفظ بالغام وقنابل موقوتة ، تقع على أصحاب العقول المنفتحة مهمة تعديل مواده ، ثم الانتقال الى مرحلة جديدة تؤسس لحالة من الاستقرار السياسي، لان الشعب العراقي شخص عقلاء السياسية ، ومجانينها وأصبحت لديه القدرة الكبيرة على التمييز بين العقول المنفتحة والمنغلقة ، والقوى السياسية مطالبة اليوم بالكشف عن نوعية عقولها، وبعد مرور اكثر من احد عشر عاما على الإطاحة بالنظام السابق توفرت الفرصة الكافية لمعرفة الماركة المسجلة للعقل السياسي لفرز الشخصيات القادرة على ترميم الخراب لكي تنتفي الحاجة لاستيراد عقول من الخارج تحمل خزينة الدولة أعباء إضافية .
مقالات اخرى للكاتب