يَدعو مثقفو الفضاء إلى إعادة دور الثقافة والمثقفين إلى مجتمع العراق الجديد، مجتمع الطائفية وهيمنة المتخلفين بعناوينهم المختلفة وكما صممها الاحتلال وأحياها... وتلك مفارقة ومحاولة لجمع المتناقضين والمتعاديين... وما دام الكثيرون من أولي الأمر وان (فكوا الخط) وتخلصوا من الأمية الأبجدية ولكنهم دخلوا الأمية الثقافية.. وتمنى العقلاء لو ظل هؤلاء بأميتهم الأبجدية ونجوا من عواقب القراءة المسمومة وتكديس معارف الظلام... فهؤلاء سادوا وصاروا يقررون للثقافة المطلوبة وهم الذين يسمون المثقفين ويوزعون عليهم الألقاب، ويعلون من هذا ويحطون من شأن ذاك ولكن بمعايير ومتطلبات الطابع الطائفي والمناطقي والعشائري وبقاسمها المشترك: النفعي... إلا أن مثقفي الفضاء يعيدون إلى الذاكرة أسماء ثقافية عربية ويتساءلون عما يمنع أسماء واعلام ومنظمات عراقية من إصدار بيانات وإعلان مواقف، على الأقل للتواصل مع جمهورها وللتنبيه إلى هذه المنزلقات والمسارب إلى عصور الظلام والتخلف والتلقين...
ولقد تكررت من قبل ومرارا مثل هذه الدعوات ليتبين أن مرحلة التغيير كانت نقاط المطر أو هبات الهواء الواهنة قد أزالت بودرة وجوه مثقفين وأجلت حقيقتهم الطائفية... وان ثقافاتهم لم تكن إلا من مستلزمات التظاهر بالتحضر والوعي وعمق الفكر والإيمان الواعي، ولهذا عندما دالت دولة السادة والأمراء من الرعاع انخرطوا في تياراتهم وأمواجهم، وتكشفت يقينياتهم الضيقة وكراهياتهم التي تنفي كل ادعاء للثقافة وكل انحياز للحياة وللإنسان... فما الذي أمام مثقف الفضائية أن يفعله إذن ليبشر بمثقفين جدد وبمفكرين مدهشين... في حين لا يتقدم ولا يتصدر المشهد غير اللصوص والجهلة والمكتظين بالكراهية...؟؟؟
إن مثقفين راسخين وكبار ومن عناوين ونخبة الإبداع ضاعوا واختفت أصواتهم في هرج وصخب الغوغاء واللصوص مع واقعة جديدة أتمت وأكملت من تهميشهم وإبعادهم والإقلال من شأنهم هو الجانب المادي وصعوبات عيشهم... وان مهنتهم ومصدر رزقهم لم تعد مطلوبة ولم تعد لها قيمة بنظر الرعاع.. وبينهم من بات مكروها ويثير أعصابهم كونه يبدو شاهدا على انتهازية بعضهم وعلى أميته.... وان بين من تصدروا المشهد الثقافي اليوم بلا حضور سابق ولا تاريخ ولا اسم ولا اثر والأكيد أن يتحسسوا من الثقافة ومن المثقفين وقد يتندرون من تعريف الثقافة من أنها محبة وتسامح وإعلاء لشأن الإنسان وللحياة.. فتلك بلادة بنظرهم ومن خواص المغفلين..
إلا أن الثقافة نبتة خضراء بالإرادة، وتشق طريقها وتطلع بين الصخور.. وقد طلعت بعد يأس أمام جدران الكونكريت في الشوارع والناس، وبعد دولة الطوائف وكناسة الشارع، ويؤكدون انه من رحم الأزمات يولد الفكر ورجال التاريخ.. وسنراهم.
مقالات اخرى للكاتب