الخطر عندما يداهم الغابة.. فان أول الضحايا هي الأسود والنمور والحيوانات الكبيرة، فيما تنجو الحيوانات الضئيلة والصغيرة والتافهة.. وتسارع وتلبد في الجحور.. وذاك ما ليس بمقدور الحيوانات الكبيرة.. وبذا فالضآلة أنقذت وانجدت، في حين هلكت الاسود والنمور.. وهو الذي يحدث مع البشر... فالتافهون الضئيلون النكرات تحميهم طبائعهم وتكويناتهم ورخص نفوسهم... وقد توفر الظرف وكل أسباب عيش الحشرات في العراق وتراجعت بالمقابل فرص الكبار لعجزهم عن فهم لغة الصغار والتعامل معهم وتجنب شرورهم، فهم غير مرئيين أحيانا الا من خلال تجليهم باعمال الخراب والدمار...
منذ الايام الاولى للاحتلال، تم الاعلان عن هوية الحقبة المطلوبة، بدءا بظاهرة الحواسم وما تطورت وتدرجت به وصولا الى الواقع الحالي.. فتراجع الكبار الى المسارب المختلفة حتى شاع ان عقول العراقيين بحضور فاعل في دول العالم وبشلل كبير في ارض العراق، وبلغ ان تحول النجوم والمشاهير ومجتمع النخبة اشبه بالمتسولين يلهثون وراء الضئيلين والأميين والطائفيين لسد رمقهم وديمومة حياتهم البائسة.. ويتأملون بحزن كبير مصير بلدهم ومجتمعهم وقد سادته وتحكمت به عقول المعوقين وبدت الطائفية وكأنها من مسلمات الحياة واقدار السماء في بلد الحضارة والثقافة والكرم والشجاعة..
افتراض زوال اعصار الفوضى وانتهاء حقبة التافهين ممن سرقوا اموال وثروات العراق وجعلوا منه مركز استقطاب العنف والتطرف والشر في العالم... وافتراض ان يحالف الحظ الدكتور حيدر العبادي وكبار النفوس والعقول في العراق وتغدو فوضى العراق حكايات، فان العراقيين سيصابون بالفزع مما حدث،، وقد يرتعب حتى بعض الاغبياء والضئيلين من ادوار وممارسات بهذا الشر والعدوان وكيف انطلت اللعبة عليهم... وان ضآلتهم التي قادتهم الى الطائفية ولبدوا فيها ونالوا الثروات والمناصب منها قد استدارت اليهم لتريهم حجومهم وعارهم وليأخذوا احكامهم كحيوانات ضئيلة وخائنة وتفتقد للوفاء وللايمان وللشرف...
اللعبة على العراق مكشوفة الغباء والقسوة ولكنها ايضا تفضح نظرة العقل المدبر لها للعقول المعتمدة لتنفيذها.. فلا استهانة ولا احتقار كالذي نظر بها العقل المدبر لعقول العراقيين المنفذة... وقد فات العقل الخبيث ان الضآلة التي تحمي الضئيلين بعمر قصير وان قدر الكبار هو الوارث.. وان المرأة التي ماتت جوعا مثل اطفالها هي الاكثر حياة من تلك التي مدت يدها تتسول.. فالكرامة هي الوجود والمعنى.. والمصير... فالأرض لا يرثها غير الصالحين..
مقالات اخرى للكاتب