إن استراتيجية المذهب العسكري الروسي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة أدت إلى بلورة مبادئ بديلة عن المذهب العسكري السوفيتي، تهدف في جوهرها إلى استعادة روسيا لمكانتها الدولية والإقليمية وإعادة تشكيل منظومة عالم متعدد الأقطاب.
يعتبر محللون أن أوكرانيا هي التي تصنع صورة روسيا كقوة عظمى أو هي التي تكسر هذه الصورة، ويضيفون أن روسيا من دون أوكرانيا هي مجرد بلد بينما روسيا مع أوكرانيا هي إمبراطورية. إن سيناريو جورجيا يتكرر الى حد كبير في أوكرانيا، وروسيا لم تخذل سوريا كما خذل الاتحاد السوفيتي العراق. الأجواء تتلبد بغيوم حقبة الحرب الباردة. وواشنطن أصبحت مدركة بشكل متزايد بأن السياسة الخارجية التي يعتمدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتعارض مع مصالحها. ويرى ديمون ويلسون نائب رئيس مجموعة الأبحاث “مجلس الأطلسي” أن “السياسة الخارجية الحالية للروس تقوم على استعادة بعض النفوذ والهيبة الروسية في العالم”. وينتهج بوتين هذه الاستراتيجية عبر اختبار حدود التأثير الأميركي. والإدارة الأميركية لا تخفي أيضا انزعاجها من الطموحات الجيوسياسية التي عادت موسكو للعمل عليها، وهو موضوع حساس أساسا منذ حرب صيف 2008 في جورجيا، الدولة التي أرادت الخروج من فلك سياسة موسكو. وبوتين وبعد سنوات من التهدئة النسبية مع واشنطن خلال فترة تولي ديمتري ميدفيديف السلطة، وضع حدا لهذه السياسة الهادئة بعيد عودته إلى الكرملين. ويبدو أن روسيا تتجه مجددا إلى الصراع مع الغرب على كل ملف، خاصة عندما يتعلق الملف بدول الجوار الروسي والتي أعتبرتها العقيدة العسكرية الروسية الجديدة أحد أهم مصادر التهديد التي تطال المصالح والأمن القومي الروسي حيث ذكرت “احتمال نشوب الاضطرابات داخل رابطة الكومنولث، وفي روسيا ذاتها، الأمر الذي يستوجب تدخلاً عسكرياً روسيا، ولاسيما في حالة انتهاك الحقوق المدنية للأقليات الروسية في دول الكومنولث، أو دخول أي من تلك الدول في ترتيبات أمنية مع دول أجنبية”.
العقيدة العسكرية مصطلح مألوف في تاريخ الجيوش ولاسيما لدى العسكريين المحترفين. عرفت العقيدة في معاجم اللغة العربية بما عقد عليه القلب والضمير، ويدين به الانسان، مع ملاحظة أن هذا التعريف لا يقتصر على العسكريين في المقام الأول، وإنما يشمل مختلف العقائد، وفي مقدمتها العقيدة الدينية. المذهب هي المرادف لكلمة العقيدة في قواميس اللغة، ولكن المذاهب عربياً هي جزء من العقيدة، والمذاهب عموماً في الفهم الشائع هي منهج لفهم تعاليم معينة، وكلمة مذهب على صعيد العلم العسكري انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية، والبعض استخدم مصطلح النهج العسكري واطلق مصطلح العقيدة العسكرية بشكل عام للدلالة على المستوى الاستراتيجي، وهي الاطار لجميع مستويات العقيدة العسكرية، ولزيادة توضيح هذا الاطار الغامض والتمييز بين مستويات العقيدة، فقد تم استخدام مصطلحات أخرى مثل العقيدة القتالية للدلالة على المستوى العملياتي من العقيدة العسكرية، وعقيدة القتال للإشارة إلى المستوى التعبوي. على العموم تعرف العقيدة العسكرية بأنها مجموعة من القيم والمبادئ الفكرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسكري وعلوم فن الحرب، لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية أما المذهب العسكري فيعرف بأنه خطط وأفكار الدولة حول كل المسائل المتعلقة بالحرب والسلم او بتعبير آخر مجموعة من وجهات النظر والأفكار المعتمدة من قبل الدولة والقوات المسلحة في مرحلة تاريخية محدودة والمتعلقة بطبيعة الحرب المحتملة وطرائق خوضها وتدابير إعداد القوات والبلاد لتلك الحرب. تستند العقيدة العسكرية إلى مجموعة من المقتربات الاستراتيجية أهمها أنها الموجه الرئيس لإعداد وبناء وتطوير القوات المسلحة وتجهيزها واستخدامها لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية. وهي بمثابة الركيزة الاساسية لتنظيم وتدريب القوات المسلحة على المستويات المختلفة. كما أنها المنطلق الأساس لأية عملية عسكرية تقوم بها القوات المسلحة مهما كان نوعها وحجمها. علاوة على كونها القاعدة الأساسية لتوحيد جميع مفاهيم العسكريين تجاه استخدام القوات المسلحة، وهي الدليل الموحد لجميع الاعمال والنشاطات العسكرية على جميع مستويات الدولة المختلفة. والعقيدة العسكرية تتحدد في ثلاثة أنواع رئيسية:
١- العقيدة الأساسية: وهي مجموعة مبادئ تساعد على تحديد الإطار العام للعقيدة العسكرية على المستوى الاستراتيجي وتقوم بتوجيهها أيضا، ونطاق هذا النوع من العقيدة واسع جداً، ولا تعلوه إلاَ العقيدة الشاملة للدولة، ويتسم هذا النوع بعدم خضوعه أو تأثره بالمتغيرات الاستراتيجية أو التقنية مقارنة بالمستوى العملياتي والتعبوي من العقيدة العسكرية.
٢- العقيدة البيئية: وتعد ثاني أنواع العقيدة العسكرية على المستوى العملياتي، وهي المبادئ الاساسية التي تنتهجها الوحدات العسكرية المختلفة لتحقيق الاهداف المرسومة لها، وتعد بمثابة حلقة الوصل مابين العقيدة الاساسية والعقيدة التنظيمية على المستوى التعبوي، فضلاً عن أن العقيدة البيئية تتأثر إلى درجة كبيرة بمؤثرات البيئة الخارجية مثل التغيرات التقنية والاستراتيجية، ولهذا نجدها تتغير باستمرار، ومن امثلة العقيدة البيئية العقيدة القتالية للعمليات المشتركة، والعقائد القتالية للقوات البرية والجوية والبحرية.
٣- العقيدة التنظيمية: وهي المبادئ الأساسية التي تتبعها التشكيلات المختلفة في أية قوة عسكرية لغرض القيام بواجباتها كجزء من القوات المسلحة.
مقالات اخرى للكاتب