أصدرت وزارة التخطيط بيانا أعلنت فيه ان النمو الاقتصادي المتوقع في العراق لهذا العام سيكون 1%. المصدر علل سبب تراجع الاقتصاد العراقي الى 1% الى انخفاض أسعار النفط الخام في السوق العالمية وتحويل جزء كبير من الميزانية الحكومية الى مصاريف تشغليه (مصاريف يومية مثل الأجور , الرواتب , الإعانات الحكومية للنازحين , شراء سيارات حكومية , ومصاريف شراء التجهيزات والذخائر للقوات الأمنية للقضاء على داعش الارهابي). السؤال هو : ما هو تأثير التراجع الاقتصادي على الحالة المعاشية للمواطن العراقي؟
قبل الجواب على هذا السؤال , احب ان اذكر من يقرأ الاحصائيات والتنبؤات الاقتصادية وخاصة تلك التنبؤات المتوسطة الأمد ( بحدود خمسة أعوام ) او بعيدة الأمد ( خمسة أعوام فما فوق ) بان مثل ه ذه التنبؤات ليس من الضروري ان تكون صحيحة 100% . فهناك عوامل غير منظورة مستقبلية ليست بالحسبان قد تأثر على صحة نتائج التنبؤات. ولهذا على سبيل المثال , تقوم وزارة العمل الامريكية بتعديل تنبؤاتها (تدفق معلومات جديدة ) حول حجم الإنتاج المحلي الإجمالي ( الإنتاج السنوي من السلع والخدمات ) عدة مرات قبل اعتبارها ارقام نهائية . وهذا بالضبط ما حصل في العراق. ففي عام 2012 تنبأ أحد البنوك الامريكية المعروفة بان يكون النمو الاقتصادي السنوي للعراق الأعلى في العالم وسيكون بما يعادل 10.5% يليه النمو الاقتصادي في الصين والذي توقعه البنك بحدود 7.7%. هذا الفرق ما بين المتوقع والواقع والذي بلغ 9.5% يسمى في لغة الإحصاء " التأثيرات العشوائية" او الغير متوقعة. وفي حالة العراق فان التأثيرات الغير متوقعة كانت انخفاض سعر برميل النفط الواحد في الأسواق العالمية من 119 دولار في عام 2012 الى مبلغ 60 دولار حاليا , أي حوالى النصف من أسعار عام 2012 إضافة الى ظهور حركة داعش الإرهابية واحتلال أجزاء مهمة من الأراضي العراقية وما تبع هذا الاحتلال من تدمير للبنى التحتية , تدمير المرافق الاقتصادية , و نزوح الملايين من سكان المناطق المحتلة وهكذا اصبح المهجرون عالة على الاقتصاد العراقي بعد ان كانوا مشاركين فيه .
جواب على سؤال ما هي تأثيرات تراجع النمو الاقتصادي الى 1% على الأحوال المعاشية للمواطن العراقي , فان التأثيرات ستكون مباشرة و سوف يشعر بها جميع افراد المجتمع العراقي بدون استثناء , البائع والمشتري . نظريا , يجب ان تكون نسبة النمو الاقتصادي اعلى من نسبة النمو السكني حتى يعيش افراد المجتمع بحالة من الرخاء . لان تساوي نسبة النمو الاقتصادي مع النمو السكاني سوف لن يضيف ازدهارا اقتصاديا للمواطن ويبقى الحال على نفس المستوى المعاشي وبدون تغيير. وهكذا , لو افترضنا ان نسبة النمو السكاني في العراق هي 3% , بينما تراجعت نسبة النمو الاقتصادي الى 1% , فسيكون هناك تراجع في المستوى المعاشي للمواطنين مقداره 2% . ولكن ما حجم الخسارة على المجتمع العراقي من هذا الفرق بين نسبة النمو البشري ونسبة النمو الاقتصادي؟ لو اخذنا اجمالي الإنتاج المحلي لعام 2013 والبالغ 249.4 مليار دولار , فان خسارة المجتمع العراقي من فرق نسبة النمو السكاني والنمو الاقتصادي ستكون بما يساوي حوالي 5 مليار دولار , وهو مبلغ ليس بالصغير و يغطي كلفة انشاء 50,000 وحدة سكنية تكلفة الواحدة منها يعادل 100,000 دولار .
ما تأثير انخفاض نسبة النمو الاقتصادي على دخل المواطن العراقي ؟ الجوب هو لو اخذنا نسبة النمو الاقتصادي لعام 2015 والتي انخفضت الى 1% بعد ان توقع خبراء البنك المركزي ان تكون 9.4 % , فان الدخل المواطن تحت نمو اقتصادي قدره 1% سوف يحتاج الى سبعين سنة ليتضاعف بعد ان كان من المتوقع مضاعفته بحوالي تسعة أعوام . أي لو افترضنا ان دخل الموطن في هذا العام هو 5,000 دولار فسوف يحتاج المواطن العراقي الانتظار الى 70 عاما ليتضاعف دخله ويصبح 10,000 دولار. ولكن لوكان النمو الاقتصادي يعادل 9.4 % لتضاعف دخل المواطن الى 10,000 دولار خلال تسعة أعوام . لهذا السبب تحاول جميع الدول المستقرة سياسيا و امنينا العمل الجاد على زيادة وتيرة النمو الاقتصادي , لان الزيادة في وتيرة النمو الاقتصادي سيستفاد منها جميع شرائح المجتمع مباشرة وغير مباشرة .
الاقتصاد العراقي سوف لن يكون بهذه السوداوية. كما ذكرت أعلاه , لا يعرف المستقبل الا الله , ومهما يحاول الاقتصاديون والاحصائيون من تحسين طرق تنبؤاتهم , الا انه لا ضمان بدقة حساباتهم . هناك الكثير من المجهول لا نستطيع التنبؤ به. وفي حالة العراق فان القضاء على تنظيم داعش سوف ينعش الاقتصاد العراقي , وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية سوف يؤدي الى تحسن الاقتصاد العراقي , وكذلك تحسن الطاقة الكهربائية والتي تعتبر الماكنة الرئيسية لدوران العجلة الاقتصادية , و تنوع الإنتاج والتركيز على المنتجات النفطية مثل معمل البتروكيمياويات , الأسمدة , الصلب والحديد , الالمنيوم , والأدوية . وكذلك يتحسن الاقتصاد العراقي ويتضاعف دخل المواطن بسنوات قصيرة إذا استطاع المخطط العراقي بإعادة الحياة الى القطاع الزراعي. انه من العيب ان تستورد البصرة تمر من المملكة العربية السعودية و الامارات العربية المتحدة وتستورد المثنى الماء من السعودية , وتستورد المحافظات الجنوبية الفاكهة والخضر وان أبناءها هم الذين علموا البشرية كيف تزرع . العراق بخير ولا يحتاج هذه التظاهرات التي عمت الوسط والجنوب العراقي بسبب قلة الخدمات والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي وقلة فرص العمل للشباب لو وضعت جميع الكتل والأحزاب والائتلافات السياسية مصلحة المواطن والوطن فوق مصالحهم الشخصية والحزبية. من العيب ان نسمع عن مصطلح المصالحة الوطنية كل يوم من السيد اياد علاوي والسيدة وحدة الجميلي ولم نسمع تصريح واحد من هؤلاء يدافع عن المحرومين اقتصاديا او الشباب الذين أصبحت لعبة الدومينو وشرب النرجيلة الطريق الوحيد لقتل فراغهم. ومن العيب ان لا نسمع سياسي واحد يحمل هم بناتنا وهن جليسات البيوت والمطابخ بعد ان غسلن ايدهن من فرص العمل ونصيبهن في الزواج.
مقالات اخرى للكاتب