من خدم في الجيش العراقي يتفق معي انه كان لملوم.. لملموم يضم الجاهل والمتعلم، الخرّيج والمرّيج، ابن الناس وابن الشارع، الغني والفقير، يضم كل عراقي بلغ سن التكليف وصار قادراً على حمل السلاح.
بعد التخرج من الجامعة تم سوقنا الى مركز تدريب المشاة وبعدها الى مدرسة الدروع في قضاء بيجي.
في بيجي قدر لي ان ارافق مرغماً نايب عريف صلاح ابو الإعاشة.
يقول صلاح الذي يشاطرني غرفة المنام انه من سلالة رسول الله وأن جده سيد منخي كان يشنط شنط، كنايةً عن جاهه عند الله تعالى.
لكني بعد مرور اسبوع واحد من رفقة سيد صلاح اكتشفت انه يسرق طعام الجنود. لقد كان يتلاعب في سجل الإعاشة ليقرض من حصة الجندي اليومية.
واكتشفت ان نزوله الأسبوعي الى بغداد لم يكن لزيارة بيت خالته في الچوادر، بل لبيع ما سرقه من رز وعدس ومعجون في گراج العلاوي.
في يوم من الايام تصادف نزولنا الشهري معاً، فقال لي السيد حرامي:
- مولاي شنو رايك نطلع بالليل على برودة الجو؟
- اوكي مولاي.
اتفقنا نطلع بالتكسيات من بيجي لبغداد وبعدين نصعد بالريم للناصرية.
تمت الخطة مثلما ردنا وكان الجو باردا وسايق الريم مشغل "تلولحي" لسعدون جابر، فقررت ان استغل الطريق بالدردشة مع سماحة السيد:
- سيدنا شلونها الغلّة هذا الشهر؟
-ههههههه يمعود هن كم كيلو عدس وقوطيتين معجون.
- زين, مو حرام عليك تسرق حصة الجنود المساكين؟
- لا هاي مو سرقة، هذا استنقاذ حق مولاااااااي.
- هاا، شلون بلله هاي بروح ابوك؟
- حبيبي, الدولة مجهول المالك ويصير تاخذ حقك منها بيدك.. هسه، افتهمت؟
في هذه الأثناء صارت دربكة وهوسة وطلقات.. يمعودين شنو السالفة.. هاي شكو؟ سلّابة سلّابة، ضموا فلوسكم.
صعدوا السلابة وبيدهم رشاشات كلاشنكوف وتواثي.. ذبّ فلوسك، ذبّ فلوسك.
رمى الركاب نقودهم في كيس يحمله احد السلّابة، بعدها شتموا صدام وشتمونا وقلعوا مسجل السيارة وضربوا السائق ونزلوا.
قبل ان ينزل حامل الغنيمة الذي كان ملثماً صاح به السيد صلاح:
عمي انا سيد ابن رسول الله وجدي سيد منخي يشنط شنط، وهاي فلوس ايتام اخذتوهن مني غصب.. خصيمكم جدي الى يوم القيامة.
المضحك ان السلّابة طلعوا سامعين بسيد منخي ويخافون يشوّر بيهم، لذلك رجعوا ونادوا عليه:
- تعال سيدنا مد يدك واخذ فلوسك.
فمد السيد يده واخذ "غمدة" فلوس بلا تعيين ثم مدها ثانيةً واخذ غمدة اخرى وقال:
- رحم الله والديكم مولاي، هاي فلوس ايتام، الله يستر عليكم.
صفّني سماحة السيد بفعلته فبادرته قبل ان يجلس:
- سيدنا شلون تگول مال يتامى وانت سارقه من الجيش؟
- استنقاذ حق مولااااااي.
- زين شلون اخذت بدون حساب؟
- اذا اختلط المال الحلال بالحرام يُخمّس.. من اوصل اخمّسهن مولااااااي.
هكذا كان السيد يسرق بخفة ويجيب بخفة، فكان لي منه كل يوم مفاجئة.
لكن المفاجئة الحقيقية هي ان سماحة السيد حرامي دخل تحت عباءة حزب اسلامي "عريض" وتحول بقدرة قادر الى مسؤول في الدولة العراقية، يسرق بخفة ويجيب بخفة.. استنقاذ حق مولاااااااي.
مقالات اخرى للكاتب