يجمع كل المراقبين والمتابعين للعمليات الانتخابية التي جرت في مختلف الدول سواء العريقة بالديمقراطية او الناشئة والتي تحاول وضع اللبنات الاولى في البناء الديمقراطي بهدف استكمال صرحه المتين الراسخ الذي يتحمل الهزات السياسية المفاجئة ويعتاد الخصوم السياسيين وبروح رياضية تقبل نتائج الانتخابات مهما كانت مؤلمة كما يحصل ذلك في دول الديمقراطيات الثابتة والعريقة ولكن هناك من لا يمكنه تحمل ذلك وعليه فهو يحث الخطى لاستباق الحدث باطلالة ناعمة قد تبدو طبيعية بحكم المهام والمسؤوليات
الواجب تنفيذها لخير المواطن واسعاده والتخفيف عن كاهله ، ولكن ما يثير التساؤل لدى المواطن اين كان ذلك الاحساس وتلك الغيرة والحمية على المواطن مختبئة طيلة الثمان سنوات المنصرمة والتي ذاق المواطن فيها شتى اشكال الضيم والقهر والحرمان، والتي افتكرها من تقع على عاتقه المسؤولية وراح يبادر لا نتشال المواطن من العشوائيات وتوزيع العطايا والهبات لاسعاد السواد الاعظم من البشر المنسيين ؟..هذا السبق يحسب للسيد رئيس الوزراء ولكن مع الاسف الشديد جاء متأخرا ومحكوما بتوقيت حرج يثير الفضول والتساؤل كونه يتزامن مع عشية التهيئة والتحضير للانتخابات البرلمانية التي يبدو انها حامية الوطيس هذه المرة والتي سوف يلجأ فيها الخصوم السياسيين لاستخدام كل الاساليب المشروعة وهي قليلة وغير المشروعة التي ستغطي على الحدث بما في ذلك استغلال النفوذ والمناصب والمال الحرام والفساد الاداري والجاه والوجاهة والنفوذ العشائري والتسقيط السياسي وتوزيع الرشى على شكل مكارم والتفاتات انسانية وفعل الخير ورفع المظلومية الخ.. من ابواب الصرف والبذخ وتبديد اموال الشعب العراقي منطلقين من المثل الشعبي القائل( من لحم ثوره.. اطعمه )
ولكن لعمليات الغش والخداع اشكال واساليب عديدة وقد يبدو بعضها لعامة الناس وفي ظروف الانفراج السياسي شبه الديمقراطي تصرف وعمل طبيعي يمارسه ذلك الحزب اوتمارسه تلك الشخصية النافذة في الدولة والمجتمع بحكم استخدام وسائل ومنابر يصعب لغيره الوصول اليها ...بينما في زمن الحكم الدكتاتوري المطلق كما في زمن المقبور صدام حسين وحزبه العفن (عندما كانت النتائج الانتخابية او الاستفتاءات تظهر لصالح الدكتاتور بنسبة 99,9%) اي بدون معارض) وهذا امر لا يصدق ولا يعقل حتى من قبل الدكتاتور نفسه، وكما يقول المثل ( اقطع راس وضيع الخبر وابوك الله يرحمه)
واذا اردنا تناول اساليب الاحتيال على القوانين و اشكال التزوير التي حصلت في الانتخابات السابقة فهي كثيرة ومعروفة ..ولكن ما يهمنا التوقف عنده هو عمليات التزوير المحتملة في الانتخابات القادمة واشكال تجسيدها وتجلّيها التي بدأت تظهر معالمها من الان والتي كما اسلفنا تبدو للا نسان العادي وكأنها طبيعية ومشروعة .
لقد اصبح مبدأ التوافق والتحاصص والتمذهب والمناطقية امر مسلم به، وتمارسه بالاخص الاحزاب الطائفية الدينية والمناطقية النافذة بالرغم من محاولات التملص الفاشلة والمضحكة التي يعلنها البعض، ومن هذا المبدأ والمنطلق تعثّراقرار وصدور قانون الانتخابات (سانت ليغو) المقر من قبل المحكمة الاتحادية في دهاليز واروقة البرلمان نتيجة معارضة الكتل النافذة الا بعد تعديله بالتوافق لصالح كتلهم ..وهذا بحد ذاته عملية احتيال والتفاف وتزييف لارادة الشعب وجماهيره الغفيرة التي تتطلع الى احترام القرارات التي تصدر عن القضاء .
والامر الاخر الذي ينم عن النوايا الخبيثة والمخطط لها ،هو البدئ بتوزيع الاراضي ودور السكن وغيرها من العطايا والهبات والتي تدخل في باب الفساد المالي والاداري.. وبغض النظر عن من يستحقها او لا، ولكن الاهم في الامر هو التوقيت المختار والممنهج والذي يحصل عشية الانتخابات البرلمانية القادمة..في هذا الوقت بالذات يفتتح السيد رئيس الوزراء حملته الانتخابية المبكرة الى مدينة البصرة وقيامه بتوزيع 1500 دار سكنية على العوائل الفقيرة .. ومن الطبيعي ان لا يعترض احد ان وزعت فعلا تلك الدور على مستحقيها ولكن التساؤل الذي لابد منه لماذا هذه الزيارة الان ولماذا هذا العطاء المتأخر؟ ..ربما يأتي الجواب سريعا لقد اكتملت البيوت اللآن ..ولكن هل ال 1500 دار تستحق ان يذهب رئيس وزراء دولة الى توزيعها بنفسه؟ حيث يمكن لاي مسؤول اداري القيام بتلك المهمة ، فالعملية اذاً تدخل في باب الدعاية الانتخابية المبكرة واحتكار النفوذ وعملية كسب اصوات مدروسة باستغلال المنصب .. ولكن لابد من التسائل اين كنتم واين كانت انجازاتكم خلال الثمان سنوات الماضية؟ ولكن اصحاب الشأن والقائمين على حملة دولة القانون يعتقدون ان الانجازات ان لم تكن الان وتصاحب التحضير للانتخابات فسوف ينساها المواطن هكذا هم يفكرون ..ولكن لدينا جواب على ذلك.. وهوان الجماهير ذاكرتها قوية ولا تنسى المنجزات والبطولات والتضحيات ولنا بذاكرة الجماهير وعرفانها للقائد الشجاع عبد الكريم قاسم الذي يسمى لحد الان ابو الفقراء عندما بنى مدنا بكاملها كمدينة الثورة والشعب وغيرها من المدن ووزعها على المحتاجين والفقراء فلا زالت الجماهير تخلد ذكراه وتحسب له ذلك المنجز العظيم .
مقالات اخرى للكاتب