في سابقة غير متوقعة اعلن رئيس الوزراء السيد العبادي اكتشافه بمتابعة بسيطة وجود 50 الف عسكري وهمي – فضائي- وهي مفارقة لا تسر الصديق ، فاذا كان اكتشاف هذا العدد الكبير بهذه البساطة ، فكيف الحال لو كان البحث والتمحيص في سجلات الجيش والشرطة والادارة المدنية .
اذكر اني شغلت وظيفة في شعبة الحسابات في تربية ديالي اوائل السبعينات ، وكان معي في عين الشعبة السيد عبد الحسين الجليلي معلم وكاتب وهو من الشخصيات الوطنية المعروفة في ديالى والشاعر عزيز ياسر الجاري وهو معلم يساري نقل الى ملاك الحسابات بعد اعادة تعيينه حسب عودة المفصولين السياسيين، كنا نعد رواتب المعلمين في المدارس التابعة للتربية .
كانت القوائم تعد يدويا ، ولا توجد حاسبات الكترونية ، وانما كانت لدينا حاسبة يدوية ندقق بواسطتها بعض الحسابات حين تتعسر الامور ، وكنا نطابق الارقام حد الفلس ، بالاضافة الى ذلك كانت قوائم الرواتب تذهب الى المحافظة للمطابقة ايضا ، فلا يضيع اي مبلغ ، وليس من الصعب فحص المخالفات ان حدثت في اية قائمة ، ولذلك كان من السهل العثور على اي مختلس او مزور ، وقد حصل فعلا ان زور أحد الموظفين بعض الارقام فنال عقابه الصارم .
كانت الحسابات تخضع لتدقيقات وزارة المالية ايضا ، فغالبا ما يأتي مدقق من وزارة المالية لكي يدقق الحسابات ان كان هناك اي شك في العمليات الحسابية او الصرف ، اضافة الى اختيار الموظفين المعروفين بالنزاهة لشغل دوائر المحاسبة ، عكس ما نجد اليوم من السماح لمن زوروا شهاداتهم واشتروها من سوق مريدي في شغل المناصب الحكومية ، وتساهل الحكومة مع المزورين يعد اللبنة الاساسية في انتشار وشيوع الفساد .
ان السماح في اشغال الوظائف العامة لغير اصحاب الكفاءة ، وعدم وضع المواطن المناسب في المكان المناسب جعل التلاعب بالاموال سهلا ، ولذلك نجد الفساد استشرى في دوائر الدولة .
إن من اولى واجبات الحكومة وضع نظام محاسبة لمراقبة صرف الاموال ، واختيار جهاز رقابي – تدقيق – كفوء ، والاستعانة بشركات عالمية لوضع برنامج كومبيوتر خاص لدوائر الدولة العراقية .
والاهم من ذلك اخضاع المصارف والبنوك لهيئات اختصاص كفوءة ، وابعاد العناصر الفاسدة من الادارات المصرفية ، واختيار شركات عالمية لمراقبة حركة الصرف واعداد الميزانية الحكومية وترشيد الاستهلاك الحكومي .
كما نؤكد على ضرورة وضع سلم للرواتب يمتاز بالعدالة ، ويقلص الفوارق بين الدرجات العليا والدنيا ، وحسنا فعل مجلس الوزراء بتقليص الرواتب لاعضائه بنسبة 50%، ولكن يبقى هذا الاجراء محدود التاثير ، ولا يغني عن وضع نظام يشمل جميع موظفي الدولة وفق سلم معروف ، معقول ، ينصف الجميع ، فليس من مبرر لان يستلم عضو البرلمان الاف الدولارات بينما يستلم غيره مئات الدنانير فقط .
ولقد يشعر الانسان بالخجل من هذا الواقع المزري الذي تردى فيه حالنا ، فبدلا من الانطلاق نحو الفضاء مثلما تفعل اليابان والصين والهند ، نغزو الفضاء بجنود فضائيين .. يالها من سخرية !
مقالات اخرى للكاتب